تمثال البرونز لكولومبوس الذي يعود إلى القرن التاسع عشر لن يجري التخلص منه تماماً، بل سيجري نقله إلى مكان آخر عديلة سليمان وصوفيا ديوجو ماتيوس* أعلنت رئيسة بلدية مكسيكو سيتي أن تمثال كريستوفر كولومبوس، المستكشف الأوروبي المثير للشقاق، المقام في مكان بارز في العاصمة المكسيكية سيحل محله تمثال لامرأة من السكان الأصليين. ويأتي هذا كأحدث عملية مراجعة للبلاد لرموز الماضي. وظل تمثال كولومبوس العملاق قائماً في شارع «باسيو دو لا ريفورما» أكثر من 100 عام. لكن في نهاية الشهر الماضي، أعلنت رئيسة بلدية المدينة، «كلاوديا شينباوم»، أنه قد حان وقت تغيير معالم المدينة وإفساح الطريق لنصب تمثل «العدل الاجتماعي».

وفي إحدى فعاليات المدينة، ذكرت «شينباوم»: «نعلن أن جولة استكشاف كولومبوس ستصبح قريباً جداً، في أكتوبر، اعتراف كبير بـ 500 عام من مقاومة نساء الشعوب الأصلية للبلاد. إننا ندين لهن بذلك». ومضت تقول إنه رغم أن البلاد تعترف بكولومبوس لكن هناك وجهتي نظر، الأولى للسكان الأصليين والأخرى للأوروبيين عن «اكتشاف أميركا». وكان التمثال قد أزيل من موقعه في «باسيو دو لا ريفورما» العام الماضي لترميمه قبيل احتجاج سنوي، ولم يجر إعادته. وشينباوم حليف للرئيس اندريس مانويل لوبيث أوبرادور الذي يراهن بدعوته السياسية اليسارية على الدفاع عن جماعات السكان الأصليين في المكسيك. فقد طلب لوبيث أوبرادور، يوليو الماضي، الصفح من الشعوب الأصلية للانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء الغزو الإسباني الدموي عام 1521 لإمبراطورية «الازتيك».

ودعا من قبل الأسرة الملكية الإسبانية إلى الاعتذار رسمياً عن الفظائع التي ارتكبها الغزو الإسباني في بداية القرن السادس عشر. وإحلال تماثيل كولومبوس بغيرها أصبح شائعاً أيضاً في الولايات المتحدة، حيث تمت إزالة عدد من تماثيل البحار الإيطالي، أو جرى تشويهها في أماكن مثل ريتشموند بولاية فيرجينيا وبوسطن وسانت بول في مينيسوتا، منذ أن أدت احتجاجات «حياة السود مهمة» إلى مراجعة على امتداد العالم للحقبة الاستعمارية.

وأقر مجلس النواب الأميركي في يونيو الماضي تشريعاً لإزالة تماثيل زعماء من دعاة الوحدة الكونفدرالية من مقر الكونجرس الأميركي، وإزالة أيضاً تمثال نصفي للقاضي الأميركي روجر تاني الذي كتب في قرار للمحكمة العليا الأميركية عام 1857 يقول إن السكان من أصول أفريقية ليسوا مواطنين أميركيين. ووصفت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، التشريع بأنه «فرصة لتصحيح أخطاء التاريخ والبداية من هنا، من مقر الكونجرس». وظهرت اعترافات مماثلة في مناطق أخرى. ففي بريطانيا، تصدر محتجون عناوين الأنباء حين أزاحوا تمثال السياسي البريطاني إدوارد كولستون الذي كان يستعبد آلاف الأشخاص. وجاءت إزاحة التمثال في غمرة الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الأميركي الأفريقي جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينابوليس.

ومازال هناك جدل محتدم في أوريل كوليدج بجامعة أوكسفورد حول تمثال الطالب السابق سيسل ردوس وهو إمبريالي بريطاني من القرن التاسع عشر اشتهر بآرائه العنصرية. وهناك جدل في فرنسا حول تركة نابليون بونابرت الضالع في ترسيخ العبودية، لكنه مازال يحظى بتوقير وسط بعض الجماعات المحافظة ومن بينهم الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون. وترى مونيكا مورينو فيجيروا، الأكاديمية المكسيكية في المملكة المتحدة والمشاركة في تأسيس جماعة «معاً للتخلص من العنصرية في المكسيك»، أن إزالة تمثال كولومبوس «مهم رمزياً». ورحبت فيجيروا بالجدل العام الذي أثاره القرار بشأن «الصور التي نريد رؤيتها في الأماكن العامة». ورحب بإزالة التمثال أيضاً جماعة «سيرفايفال انترناشيونال» المدافعة عن حقوق القبائل على امتداد العالم. ويؤكد جوناثان مازور، المتحدث الصحفي باسم الجماعة في بيان أن «الأيام التي كانت تعتقد فيها الحكومات أنه من الصواب الاحتفاء بشخصيات مثل كولومبوس يجب أن تكون قد ولت منذ زمن. لكن التماثيل والرموز، رغم أهميتها، يتعين ألا تكون بديلاً عن العمل الفعلي، فإحلال تمثال مكان آخر أسهل من عمل مهم للتعويض عن الجرائم التاريخية ضد الشعوب الأصلية». وذكرت جابرييلا راموس، المحاضرة البارزة في تاريخ أميركا اللاتينية في جامعة كامبريدج، أن الجدل احتدم في مناطق أخرى من أميركا الجنوبية، خاصة في بيرو وكولومبيا، حول المكانة التاريخية لكولومبوس.

وذكرت راموس أن الجمهور يجب أن يحذر من إحلال شخصيات محل أخرى ومن استدراجه إلى «حرب رموز» في ظل الانتهازية السياسية الحالية. ومضت تقول: «هذه ليست الطريقة التي يتعين بها التعامل مع التاريخ عن طريق إزالة وحذف أشياء، لكن يجب محاولة وضع كل ما لدينا في إطاره. أنا ضد هذه المحاولة المتواصلة لاستخدام الماضي ومحاولة استغلاله بدلاً من محاولة فهمه والتفكير بعمق أكبر. يجب الاحتفاء بالأمور دون محاولة إلغاء جوانب أخرى من التاريخ». وجادلت راموس أيضاً بأن تاريخ المكسيك أكثر ثراء بالتفاصيل، مثل تعاون بعض السكان الأصليين مع الغزاة الأوروبيين. وترى أنه يجب بقاء التماثيل في أماكنها، ربما مع تقديم شرح أفضل عن العنصرية والاستغلال والاستعمار لإرشاد الناس حول المناطق العامة بطريقة أكثر ثراء. وعلى أي حال، ذكرت «شينباوم»، رئيسة بلدية العاصمة، أن تمثال البرونز لكولومبوس الذي يعود إلى القرن التاسع عشر لن يجري التخلص منه تماماً، بل سيجري نقله إلى مكان آخر «جدير به» في المدينة، لم يُحدد بعد.

عديلة سليمان وصوفيا ديوجو ماتيوس

صحفيتان متخصصتان في شؤون أميركا اللاتينية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»