تعتبر قدرة البكتيريا على توليد مقاومة ضد المضادات الحيوية، ظاهرة طبيعية ومنطقية، تحدث عندما تتمكن البكتيريا من مقاومة الأدوية والعقاقير المصممة لقتلها والقضاء عليها. فبمرور الوقت، ونتيجة طفرات وراثية وتغيرات جينية، تفقد المضادات الحيوية فعاليتها، مما يُصعّب من علاج العدوى، بل كثيراً ما يصبح العلاج غير ممكن. وبخلاف الثمن الإنساني والصحي الباهظ الناتج عن هذه الظاهرة، تحمل مقاومة المضادات الحيوية في طياتها ثمناً اقتصادياً، يتمثل في ارتفاع مصاريف وتكاليف الرعاية الصحية، على الأفراد والحكومات.
وأمام هذا الوضع، أصبح لا بد من اتباع استراتيجية متعدد المحاور، لمنع تزايد قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية، وهي الاستراتيجية التي تشكل التطعيمات إحدى أهم أسلحتها. ففي ظل عدم وجود حل سحري لوقف تولد مقاومة المضادات الحيوية لدى البكتيريا، وبالنظر إلى الثمن الإنساني والاقتصادي الفادح، لا بد من استخدام جميع السبل المتاحة، والتي من أولها التطعيمات. فبسبب قدرة التطعيمات على وقف انتشار العدوى بالأمراض البكتيرية، وخفض حدة الأعراض والمضاعفات إذا ما أصيب الشخص بالمرض، تقل بالتبعية الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية على نطاق واسع، مما يمنع تولد المقاومة ضدها.

مثل هذه الفائدة غير المباشرة للتطعيمات، تتوافق مع حقيقة أن التطعيمات الطبية تعتبر من أكبر إنجازات الطب الحديث، إن لم تكن أعظمها على الإطلاق، حيث تمنح التطعيمات حالياً الحماية والوقاية لمليارات البشر، ضد أمراض معدية، لطالما حصدت أرواح الملايين عبر مراحل التاريخ المختلفة. فالتطعيمات الطبية نجحت بالفعل في القضاء التام على الفيروس المسبب لمرض الجدري، كما شارفت على القضاء على الفيروس المسبب لشلل الأطفال.
ويُقدر حالياً أن التطعيمات توفر الحماية والوقاية ضد 25 مرضاً مُعدياً، بداية من سنوات الطفولة وحتى المراحل المتقدمة من العمر، مثل الدفتيريا، والحصبة، والسعال الديكي، وشلل الأطفال، والتيتانوس. وتُقدر منظمة الصحة العالمية، أن برامج التطعيمات الدولية والوطنية، تنقذ حالياً حياة من 2 إلى 3 ملايين طفل كل عام، ويكفي أن نسترجع هنا التغير الجوهري الذي أحدثته مؤخراً التطعيمات، في مواجهة وباء كوفيد19 الحالي، على صعيد الإصابات والوفيات.
وغني عن الذكر هنا، أن خط الدفاع الأول والأهم أمام الأمراض المعدية، سواء كانت بكتيرية أو فيروسية أو غيرهما، هو اتباع الإجراءات الصحية السليمة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالنظافة الشخصية، والتي تتطلب بالضرورة توفر مياه الشرب النظيفة الصالحة للاستخدام البشري، ونظم الصرف الصحي الحديثة والفاعلة، وهو للأسف ما زال لا يتوفر حالياً لنسبة لا يستهان بها من أفراد الجنس البشري.

كاتب متخصص في الشؤون العلية والطبية.