هل تتذكرون أيام خطة سيمبسون وباولز لخفض الديْن؟ قبل 10 سنوات، كان رأي النخبة مهووساً بالحاجة المفترضة لاتخاذ تدابير فورية بشأن عجز الميزانية. هذا الإجماع بين من كنتُ أسميهم «الجادين جداً» كان قوياً للغاية لدرجة أن العجز أصبح موضوعاً «لا تنطبق عليه قواعد الحياد في التغطية الصحافية»، كما كتب إزرا كلاين، الذي يُعد حالياً من كتّاب صفحات الرأي في «نيويورك تايمز».

فقد أيّدت وسائل الإعلام بشكل صريح، ليس خفض العجز بشكل عام فحسب، ولكن «إصلاحاً للبرامج الاجتماعية» بشكل خاص، والمعروف أيضاً بتقليص لمزايا «ميديكير» و«الضمان الاجتماعي» المستقبلية. وبدا أن كل الأشخاص المهمين كانوا يحاججون بأن مثل هذا الخفض أساسي من أجل تأمين مستقبل البلاد.

الواقع أنه لم يكن كذلك. ولكن سؤالي هو كالتالي: إذا كان رأي النخبة يكترث للمستقبل لهذه الدرجة، فلماذا لا يوجد إجماع مماثل الآن حول الحاجة إلى اتخاذ تدابير بشأن المناخ والإنفاق على الأطفال؟ فهذان اثنان من المكونات الرئيسة لأجندة الرئيس جو بايدن «إعادة البناء بشكل أفضل»، والحجج المؤيدة لهما أقوى بكثير من الحجج المؤيدة لتقليص البرامج الاجتماعية. غير أنه إذا كان يُنظر إلى الدعوة إلى تقليص «الضمان الاجتماعي» في الماضي على أنها علامة سياسية على الجدية والنضج، فإن الدعوة إلى تدابير عاجلة بشأن المناخ والأطفال لا يُنظر إليها كذلك. ذلك أن معظم الكتابات الصحافية حول الحياة السياسية الحالية يبدو أنها تشير إلى أن «الديمقراطيين» القلائل الذين يحاولون تفكيك برنامج «إعادة البناء بشكل أفضل»، وقصر أجندة بايدن على إنفاق متواضع على بنية تحتية تقليدية، إنما يتحلّون بروح المسؤولية، في حين أن التقدميين الذين يسعون للحرص على أن نستثمر فعلاً في مستقبل البلاد غير جادين على نحو ما.

والواقع أن منطق المطالبات بإصلاح البرامج الاجتماعية كان دائماً مشبوهاً. صحيح أن شيخوخة السكان وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية قد يرغماننا في نهاية المطاف على الاختيار بين زيادة الضرائب وتقليص المزايا (رغم أن التخوفات بشأن الديْن الحكومي لطالما كانت مضخّمة ومبالغاً فيها). ولكن لماذا كان من المستعجل والملحّ التحرك في 2010، مثلاً؟ وما الذي سيضيع بسبب إذا انتظرنا بضع سنوات؟ إذا فكرت في الأمر، ستجد أن إجماع النخبة كان يذهب إلى أننا في حاجة لتقليص المزايا المستقبلية من أجل تفادي... تقليص المزايا مستقبلاً. أليس كذلك؟

وبالمقابل، فإن كلفة تأخير عمل شيء ما بشأن المناخ والأطفال حقيقي وكبير جداً. فبخصوص المناخ: في كل عام يفشل فيه العالم في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، يصدر عن البشرية 35 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون – وهذه الانبعاثات ستبقى في الغلاف الجوي، وتتسبب في ارتفاع حرارة كوكب الأرض لمئات السنين. وقد رأينا من الآن التكاليف المترتبة عن نُذر تغير المناخ – من قبيل فترات جفاف شديدة، وكثرة الأحداث المناخية المتطرفة وتكرارها.

والإجماع العلمي القوي يذهب إلى أن هذه التكاليف ستصبح أسوأ بكثير خلال العقود المقبلة. وبالتالي، إذا تأخرنا في اتخاذ تدابير بشأن المناخ، فإننا سنُضعف مستقبلنا بطريقة أهم مما نفعل حين نضيف نسبة مئوية إلى الديْن الوطني مثلاً. أما بخصوص الأطفال، فمما لا شك فيه أن فقر الأطفال يمثّل مشكلة كبيرة جداً في أميركا. وهناك أدلة قوية على أن الإنفاق على البرامج التي تخفّف فقر الأطفال لها نتائج إيجابية كبيرة جداً: ذلك أنه عندما يكبر الأطفال الذين يتلقون المساعدة من هذه البرامج، يصبحون بالغين يتمتعون بصحة أحسن ويتقاضون دخلاً أكبر مقارنة مع أولئك الذين لا يتلقونها. بل إن الأدلة على عائدات أكبر من إنفاق أكثر على الأطفال أقوى من الأدلة على عائدات أعلى على الإنفاق على الطرق والجسور (رغم أنه يجدر بنا القيام بذلك أيضاً).

وبالتالي، فإن كل سنة لا نزيد فيها من المساعدات المخصصة للأطفال تؤدي إلى عقود من الإمكانات البشرية المهدَرة. ولكن رأي النخبة -- والكثير من الكتابات الصحافية – يفشل في إبراز الانعدام الكبير لروح المسؤولية في معارضة مخططات الطاقة النظيفة والهدر الكبير للإمكانات البشرية الناجم عن الفشل في معالجة معضلة فقر الأطفال.

وبدلاً من ذلك، فإن كل ما نسمعه هو «3.5 تريليون دولار! 3.5 تريليون دولار!»، غالبا من دون الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بإنفاق مقترح على مدى عقد من الزمن، وليس لسنة واحدة، وأن ذلك يمثّل 1.2٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي. والواقع أن هناك دينامية اجتماعية في السياسة والإعلام، ربما تعكس الدوائر التي يتحرك فيها زعماء الرأي، تتعامل مع الناس الذين يريدون جعل حياة الأميركيين العاديين أصعب على أنهم يتحلون بالشجاعة، في حين تعتبر من يريدون زيادة الضرائب على الشركات والأغنياء أشخاصاً مجانين وغير واقعيين. وأياً تكن أسباب هذه الدينامية، فإنه لا بد من محاربتها. وفي الوقت الراهن، أمامنا فرصة للقيام بالشيء الصائب. وستكون مأساة إذا أضعنا هذه الفرصة. كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/10/04/opinion/budget-deficits-climate-child-poverty.html