ستمثل أي خطوة عربية أو دولية خاصة بالشأن الليبي قوة دفع لتأكيد الذهاب إلى إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، ولعل آخر هذه الخطوات عقد مؤتمر «دعم استقرار ليبيا» وبصرف النظر عن ردود الفعل تجاه ما صدر، فإنه قد جاء في موعده تماماً على طريق الدعم العربي لإعادة ليبيا للواجهة العربية مجدداً، مع رفض التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، والتمسك بضرورة عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر المقبل، ودعم السلطة الليبية الموحدة من المجلس الرئاسي والحكومة، مع تغليب المصالح العليا وإيجاد الحلول السلمية والالتزام المنشود بمقررات لجنة (5+5)، بإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا.

والرسالة المهمة من حركة التفاعل العربي والدولي حول ليبيا هي ضرورة احترام كل الأطراف لخريطة الطريق، والتطلع إلى نجاح الانتخابات دون إقصاء أو تهميش والاهتمام بالتوزيع العادل للثروات لتحقيق التنمية الشاملة في كافة ربوع وأقاليم ليبيا، وهو ما يتطلب التمسك بتطبيق كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين 5+5، بما فيه تجميد العمل بالاتفاقات العسكرية، والالتزام بمخرجات مؤتمري برلين بشأن ليبيا 1 و2، ومؤتمر دول الجوار بالجزائر، ومنتدى الحوار السياسي الليبي الذي احتضنته تونس خلال شهر نوفمبر 2020 إضافة إلى القرارات الأممية ذات الصلة بما في ذلك قراري مجلس الأمن الدولي 2570 و2571. وبرغم ذلك فهناك مخاوف حقيقية من عرقلة إجراء الانتخابات والوصول للصناديق سيكون استحقاقاً صعبا الأمر الذي يتطلب جهداً متزامناً من الفاعلين كافة بالداخل والخارج، لإتمام إجراءات المسار الانتقالي، وتهيئة البيئة الأمنية الضرورية لضمان تأمين الناخبين، وعمل لجان التصويت مع تجاوز إقرار ضوابط القاعدة الدستورية، ما قد يفتح الأبواب أمام احتمالات الطعن بعدم دستورية الاستحقاق، ونتائجه مستقبلاً، خاصة في ظل تربص جماعة «الإخوان» وأذرعها في ليبيا إلى عرقلة إقرار القواعد الانتخابية، حيث رفض خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، إصدار مجلس النواب قانون انتخاب الرئيس، باعتباره خطوة أحادية تنتقص من صلاحيات مجلسه، ومطالباً المحكمة العليا بالفصل بعدم دستوريتها، إضافة لاستمرار المواجهات التي تنشب بين المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، والأعمال التخريبية التي ارتكبها المرتزقة بمحيط وجودهم في طرابلس، بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية المتواترة التي تشنها خلايا تنظيم «داعش» في جنوب ليبيا.

ولاشك أن توافق كل الأطراف على خطوة إجراء الانتخابات قائما، ولكنه في حاجة لضوابط حقيقية والتزام مسبق تخوفا من إجراء الانتخابات دون أن يعترف بنتائجها أحد، وهو التخوف الأكبر خاصة أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ستتأثر أنشطتها بما يجري، وسينعكس ذلك بالتأكيد على العملية الانتخابية.

إضافة لاحتمالات الصدام واردة مما قد يؤثر على تماسك اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، وبالتالي على موقف كل طرف إذ أدرك أن خسائره ستكون أكبر إذا التزم بالمشهد الراهن وضوابطه حيث كشفت مصادر متعددة عن نقل أعداد منهم من قاعدة «الوطية» إلى قاعدة «معيتيقة»، وهو ما يعني وجود مخطط مستقبلي محتمل في المرحلة المقبلة. نحن إذن أمام ثلاثة مسارات مُحتملة للمشهد الليبي أولها: إجراء الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل، واستكمال استحقاقات خريطة الطريق الأممية في توقيتاتها.

وهذا ما يسعي إليه الجميع باعتباره مصلحة حقيقية تخوفاً من اتجاه المشهد الليبي نحو خيارات صفرية. ثانيها: تعديل خريطة الطريق، وفتح المشهد الانتخابي، ويتصل ذلك الاحتمال بنجاح الأطراف المُعرقلة في مساعيها، أو الوصول لذروة التأزم، وبالتالي يحدث توافق على تعديل الإطار الزمني للانتخابات في ليبيا، تلافياً للإسقاط التام لخريطة الطريق، وقد استبقت الإدارة الأميركية المشهد واقترحت صياغات جديدة لخريطة الطريق، والتي تحفظ عليها بعض الأطراف، وتقبلها البعض من المؤيدين لتأجيل إجراء الانتخابات، أو الانتظار لتحسين شروط القبول بنتائجها.

ثالثها: تجميد خريطة الطريق، وهذا متوقف على مواقف القوى الليبية واستعداداتها للخطوة التالية، ومدى قبول الأطراف الدولية المنخرطة في الأزمة قبول ذلك والتعامل مع نتائجها. وفي كل الأحوال ما زال المشهد الليبي يواجه بالكثير من الأزمات والإشكاليات بالغة الصعوبة.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية