من منا يمكنه تخيل القدرة البشرية المتعلقة بالإنجاز؟ وهل سنعزوا النجاحات «كالعادة»، لاختلاف الظروف، والترف المادي، وتمايز البيئات دون الإرادة أفرادها؟ والسؤال المطروح إزاء ذلك وفي في محاولة استيعاب أطر النظام العالمي الجديد، هل كانت الحكومات ومؤسساتها الفاعلة ستحقق هذا التكاتف المنظم الأشبه بعمل النحل في مملكته، لو لم تتعرض لوطأة «الكوفيد الشرس»؟ 

وعند الحديث عن تشاركية الإنجاز، فلا بد من الإشارة لتشاركية التحديات، سيما أن العالم لم يصبح قرية صغيرة، معدومة الحدود فيما يتعلق بالتعبيرات المرتبطة بالتطور التقني والتقدم التكنولوجي، وتلاشي عوائق الاتصالات، وحسب، بل هي مرتبطة بتشاركية المحن والتحديات كالدرس الملقن للعالم مؤخراً من (كوفيد 19)، وغيرها من الأمراض، والأزمات المالية، والكوارث البيئية، والاختلالات في الأنظمة التقنية، وخطوط الاتصالات الرئيسية، وهذا كله في ظل حالة من انعدام التوازن الذي تعيشه الدول، بسبب الزيادة الحادة في كل من مؤشر الحاجة، ونظيره من التحديات، وعليه فلا يمكن وصف أي من الحكومات بالقدرة التامة والكاملة على المواجهة الكاملة المتكاملة. 

إن اعتماد الحكومات في استراتيجياتها المأمولة على التعاون والتشارك فيما بينها، والانتباه لـ«كنز» استثمار القدرات والإمكانات، لم يأت من فراغ، وبخاصة بعد معاينتها للنتائج التي أخذت بيد الإنسان نحو بر الأمان بنسبة كبيرة من خلال تلاشي مخاطر متعددة، والقدرة على إنتاج لقاح مخصص لمكافحة فيروس عاث الخوف والقلق في كل أصقاع الأرض، وبمدة لم تتجاوز العام الواحد. هذا الابتكار البشري نبه الحكومات لضرورة «الاستثمارات المركزة»، وتوثيق حلقات التعاون بين كافة القطاعات، وليس بأدل على ذلك من ثمار غراس التعاون وتبادل الخبرات بين كل من وزارات الصحة، وشتى القطاعات الحكومية، وأهم جهات القطاع الخاص، وغيرها، الذي كان عائده مليارات الدولارات في بعض الشركات القائمة على المشروع منها (جونسون آند جونسون، وفايزر، وموديرنا)، إلى جانب إنقاذ أرواح بشرية عافت الخوف وتربص الفيروس بحلقة أمنها المعيشي بشكله العام، وهذا بحسب أحد تقارير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية. 

وإن ما تم ضخه في مشروع إنتاج لقاحات كورونا من طاقات، وقدرات، واستثمارات في المال، وقبلها العقول المبدعة والمبتكرة، يجعلنا أكثر قناعةً بإمكانية المجتمعات الإنسانية (الأعلى طموحاً وإنجازاً)، على بناء مجتمعات لم يسبق للبشرية أن عاصرتها، في ظل توجيه الاهتمام والتركيز على هدف مشترك، لا يؤدي للتحسين التدريجي، بل لإحداث نقلة نوعية، في وقت وجيز، الأمر الممكن تطبيقه على نماذج وتحديات إنسانية مختلفة. 

ومن جانب آخر، فإن التشاركية الحكومية، تشكل عاملاً مهماً في سياق الظرفية التنافسية، التي يسطع فيها نجم حكومات دون الأخرى، فمن المعلوم ما للولايات المتحدة والصين، من نجاحات وتنافسية عالية في الترعرع الاقتصادي، وسرعة التشافي، وبناء العلاقات التجارية القوية، وهنا يبرز عامل آخر يكمن في المنافسة السياسية، ونماذج الحكم، والهيمنة التكنولوجية، التي يجعلها التعاون الدولي، والتشاركية، والميل نحو الابتكار التكنولوجي أقل تأثيراً، ووطأة. 
وبذلك فإن الوقت الذي تسعى فيه الحكومات، لتحقيق اكتفاء و«إشباع الموارد»، تفرض طبيعة التحديات العالمية عليها التوجه نحو ميادين التشارك والتعاون والتكاتف، والإيمان بضرورة تفوق الترف المعرفي، والإلزامية العملية، كخطوات لا تتأخر البتة عن الخطط المنقوشة على الاستراتيجيات، إذ لا محل للاستهانة، ولا مجال للتردد، ولا قبول للأعذار في عالم السرعة، والمواكبة، والتغيرات المتقافزة المصحوبة، بجيل بشري، يوازيه جيل أزماتي، وكما ورد عن سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قوله: 
ودواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة