مرَّ عامان على غياب قاسم سُليماني(قُتل: 3/1/ 2020)، عابر الأوطان، بلا جواز سفر وطاقية إخفاء. لا يهبط بأرضٍ إلا وتأسست فيها الميليشيات، له بـ«عواصم الممانعة»، مكاتبٌ ومنازلٌ، وببغداد مُنح لقب «المستشار» رسمياً، بعد أنَّ ظلَّ اسماً سرياً لسنوات، منذ إشرافه على اجتماعات المعارضة الإسلاميَّة المسلحة(الحديث لعادل عبد المهدي)، قبل 2003، وبعدها مستشاراً، يعني واليَّاً مطلق الصَّلاحيات، يشرب والوزراء يسكرون، والقول لمحمد باقر الشِّبيبي(ت: 1960): «المستشار هو الذي شَرب الطِّلاء/ فعلام يا هذا الوزير تعربدُ». 
أحيا قادة ميليشياته، ذِكرى مقتله، بنواح وعويل، متناسين نواح أمهات المغتالين مِن شباب الاحتجاجات بخططه وتوجيهاته. قال أحد النَّادبين: «اطمئن سنمضي على هذا الطَّريق، طريق الحُسين»! والنَّادب نفسه قال بعد خيبته في الانتخابات(10/2021): «لم يسمحوا لنَّا أن نُقدم الخدمة لهذه المحافظات(الجنوبية والوسطى)، لأننا أتباع الحُسين، مثلما حرموا علي بن أبي طالب...»، فهل رأيتم إسفافاً بعقول العراقيين مثل هذا الإسفاف؟! 
كان صاحب الكلمات نفسه عندما تحول مِن نائب ضابط في الجيش العراقي إلى تواب مع الجيش الإيراني، يقول: «إذا قال الإمام حرب يعني حرب وإذا قال الإمام سلم يعني سلم»! وهذا الذي يشكو مِن عدم السَّماح له بخدمة المحافظات الشِّيعية، لأنه يحب الحُسين، عندما توزر وزارة النَّقل، منع ولده الطَّائرة، التي تأخر عنها ببيروت، من الهبوط بمطار بغداد، فعادت مِن حيث طارت(6/3/2014)! دون اعتبار للمخاطر، ولا لإلتزامات المسافرين، وهو ما لم فعله أعتى أولاد الدكتاتوريين. لم يجد هذا النَّاعي السطوة، ولم يجرأ على هذا الإسفاف إلا بمن يأمر الميليشيات، والأميركان الذين هتكوا الحدود له. 

كانت نتائج الانتخابات الأخيرة لن تُعلن بوجود التدخلات الخارجية، وليس هناك قادرٌ على التصريح بإلغاء الميليشيات التابعة لها، بل ولا أحداً يجرأ على البوح بحكومة أغلبية سياسية وليست طائفية، ومعارضة برلمانيَّة، فليس مِن شيمة داعمو الميليشيات ترك أيتامهم يندبون حظوظهم. 
إنها للعراق ليلةٌ قمراء بغياب من يساند الميليشيات، بعد وضع الخطط لكسر الاحتجاجات بالاغتيال والاختطاف، وظلماء لهم، ولسان حالهم يردد قول الأمير الأسير أبي فراس الحمداني(ت: 357هج) ابن عمِّ سيف الدَّولة: «سَيذْكُرُني قَومِي إِذا جدَّ جدّهمْ/ وفِي اللَّيلة الظَّلماء يُفتقدُ البدرُ»(الدِّيوان، أراك عصي الدَّمع). 
أما مَن يقول: إنَّ من يساند الميليشيات حمى أعراض العراقيين، فليسمع ما تحدث به قادة الحرب على الإرهاب، مِن الفلوجة إلى الأنبار والموصل، عن دور الجيش العِراقي في المعارك، مِن تخطيط وقتال! وبينهم الفريق عبد الوهاب السَّاعدي، الذي دفعت الضغوط الخارجية عادل عبد المهدي لإقالته مِن قيادة مكافحة الإرهاب، لأنه يعرف حقيقة الدَّور الإيرانيَّ في ما حصل. ستكون ليالي ذوي الضَّحايا قمراء، مِن دون مساندي الميليشيات، وظلماء لنادبيهم. 

كاتب عراقي