تحتفل الهند باليوم الجمهوري الثالث والسبعين من خلال عرض أحدث أسلحتها، والتي تضمّنت 75 طائرةً مقاتلةً وطائرات هليكوبتر هجومية، وعروض الطائرات من دون طيار، ناهيك عن الفِرق المسيَّرة والفعاليات الثقافية النابضة بالحياة. ويذكر أن الهند قد حصلت على استقلالها من الحكم الاستعماري البريطاني في أغسطس 1947 وأعلنت نفسها جمهوريةً ديمقراطيةً باعتماد الدستور من قبل الجمعية التأسيسية في 26 يناير 1950.
وتعد الهند، باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم حيث يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، منارةً مهمةً للأمل في العالم، وهي تجسّد أهمية الجمهورية الديمقراطية، إذ ترى الديمقراطية كعامل يمكن أن يسهّل التقارب مع الديمقراطيات الأخرى نحو منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمفتوحة. وقد تم تحقيق هذه الديمقراطية بعد كفاح وجهد كبيرين. لقد أعطى الدستورُ مواطني الهند سلطةَ اختيار حكومتهم ومهد الطريق لتحقيق الديمقراطية. وينص الدستورُ على شكل حكومة برلماني اتحادي في هيكل له سمات فردية معينة. واستمر هذا في كونه القوة الأساسية للهند وكان في قلب صعودها إلى الصدارة عبر السنين، حتى مع بقاء الديمقراطية ضعيفةً في العديد من المستعمرات البريطانية السابقة.
وهذا العام، مثل العام الماضي، أدى الوباء إلى الاحتفال من خلال عرض عسكري مختزل. ومن ثم لم يكن هناك ضيف رئيسي للمشاركة في مناسبة العيد الوطني. وفي الغالب، يركز التفكير على دعوة المسؤول الرئيسي داخل الحكومة، وعادة ما يتم توجيه الدعوة إلى بلد تحب الهند الدخول معه في تعاون وثيق وتعتبره مفتاحاً لدبلوماسيتها. ومع ذلك، يُظهر يوم الجمهورية أن مؤهلات الهند الديمقراطية لا تزال قوية، وهذا ما يدفع البلد الكبير الواقع في جنوب آسيا للتواصل مع الديمقراطيات ذات التفكير المماثل، في ظل الرغبة في رؤية عالم متعدد الأقطاب وضمان أن لا تتركز القوة في يدي دولة واحدة. وعندما يتعلق الأمر بدعم القيم الديمقراطية كنموذج حكم مفضل، فمن الواضح أن الهند كانت منارةً للنجاح. لقد عانت الديمقراطية في الهند من حالات الصعود والهبوط حتى مع تعثرها في أجزاء أخرى من العالم.
فقد واجهت البلادُ العديدَ من التحديات منذ حصولها على الاستقلال، ولكن في جمع أوقات السراء والضراء، ظلت المؤسسات الديمقراطية قوية. وبعد الاستقلال، عملت الهند بجد للخروج من حالة الركود التي سادت قبل الاستقلال ولتحقيق الاستقلال الاقتصادي وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي. لقد كان الفقرُ مشكلةً واصلت البلاد العمل على معالجتها إلى جانب قضايا أخرى مثل تفشي الأمية. وبحلول عام 1990، كانت الهند قد تمكنت من جعل أقل قليلاً من نصف السكان قادرين على القراءة والكتابة. لكن اليوم، ارتفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في البلاد إلى 74.04%، بنسبة 82.14% للذكور و65.46% للإناث.
وبعد استقلال الهند، كان يتعين على الآباء المؤسسين للبلاد بناء جهاز إداري وسياسي. مرت البلاد بالعديد من التحديات، بما في ذلك المجاعات في ستينيات القرن الماضي. وخلال الفترة من عام 1950 إلى عام 1964، كان معدل النمو السنوي للاقتصاد الكلي 4.4%. وحدث تسارع كبير في معدل النمو في الثمانينيات بلغ 5.9%. تعد الهند الآن من بين الاقتصادات الأسرع نمواً ويُنظر إليها على أنها ضوء مشرق في النظرة المستقبلية العالمية القاتمة. يحدث هذا في الوقت الذي تشهد فيه أوروبا، بما في ذلك بريطانيا، تباطؤاً في النمو لعدة سنوات. بيد أن الهند تمكنت من تحقيق كل هذا في ظل الديمقراطية باعتبارها حجر الأساس للبلاد.
تم تعزيز الديمقراطية على مر السنين بشرعية الديمقراطية الهندية التي تنبع من 900 مليون ناخب، واستخدام نظام التصويت الإلكتروني في الهند مع مئات ملايين الناخبين. وقد شهدت انتخابات عام 2019 إقبالاً قياسياً للناخبين مع مشاركة الشباب بنشاط في العملية الانتخابية. وخلال حديثه في «قمة الديمقراطية» التي استضافها رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، سلَّط رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي الضوءَ على الروح الديمقراطية، أي سيادة القانون وروح التعددية، قائلاً إنها «متأصلة لدى الهنود». وأصبحت الروح الديمقراطية مهمةً حيث تواصلت الهند مع البلدان ذات التفكير المماثل. كما أن هذه الروح الديمقراطية هي في لب العلاقة المتنامية مع الولايات المتحدة، التي تعد أقدم ديمقراطية في العالم.
إن الهند والولايات المتحدة مرتبطتان بأواصر الديمقراطية، الأمر الذي جعلهما شريكين طبيعيين. ومن الواضح، بالنسبة للغرب، أن الهند لا غنى عنها عندما يتعلق الأمر بالتعاون الديمقراطي، ويظل المضي قدماً في مصلحة الهند من أجل مواصلة تعزيز التقاليد والمؤسسات الديمقراطية. في الهند على سبيل المثال، لن تشهد البلاد أوضاعاً مثل تلك التي تشهدها بعض البلدان المجاورة لها، مثل ميانمار وباكستان، حيث يظل الجيش في هذه المؤسسات أقوى مؤسسة وغالباً ما يقود السياسة. وهذا أمر لا يُتوقع حدوثه في الهند مع بقاء الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بوصفها المؤسسة الأقوى في البلاد. لقد برزت الهند الآن كقوة عالمية، وبينما تحتفل باليوم الجمهوري الثالث والسبعين، فإن لديها طريقاً واضحاً أمامها لمواصلة دعم القيم والتقاليد الديمقراطية، حتى مع استمرارها في الظهور بشكل أقوى على الساحة الدولية.

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي