الأحداث الدولية إما أن تكون كاشفة لأوضاع كامنة أو منشئة لأزمات جديدة، ذلك ما تمثله أزمة أوكرانيا الحالية. وإذ إن «المنح» تولد من رحم «المحن»، فلنا أن نتساءل: ألا يمكن لدول التحالف العربي استثمار الأزمة الحالية كفرصة لإعادة تموضعها في منطقة الشرق الأوسط الجديد؟
مفهوم الجيوسياسية متغير وديناميكي، لما له من انعكاسات على أمن ورخاء الدول وعلاقاتها بالواقع من حولها، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تتشكل من جديد بحكم موقعها الاستراتيجي في النظام العالمي.
وتمر المنطقة بتغيرات جيوسياسية مهمة، قد تؤدي إلى تحولات عميقة في بنية النظام الإقليمي والنظام العالمي، ومن هذه التحولات انتقال «موقع الثقل» في العالم العربي إلى دول الخليج العربية التي بدأت تؤدي دوراً إقليماً ودولياً محورياً للغاية.
الحرب في أوكرانيا لها تداعياتها الاستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط والوضع الجيوسياسي فيها. والأرجح أن نتائج هذه الحرب ستؤدي إلى تغيير النظام الدولي، بما لذلك من انعكاسات على النظام الإقليمي. وقد يكون من تأثيرات هذه الحرب قيام ثورات ملونة في بعض الدول، وتأثيرها في الملف النووي الإيراني وفي الأزمات في سوريا وليبيا واليمن. وزيارة الرئيس بشار الأسد تأتي ضمن هذه التغيرات في المنطقة، والتي من إرهاصاتها أيضاً أنه سيكون للإمارات دور مهم في سوريا.
 
أزمة أوكرانيا مع روسيا فاقمت قضية النفط بارتفاع أسعاره، بشكل لافت، وقد تنبه الرئيس الأميركي إلى أن الحل يكمن في منطقة الخليج العربي، فطلب من رئيس الوزراء البريطاني زيارة الإمارات والسعودية لكنه عاد منهما بخفي حنين. 
وحسب ما ذكرت عدة مصادر فإن الرئيس جو بايدن حاول الاتصال بقيادتي السعودية والإمارات اللتين لم تسهلا تلقي الاتصال، تجنباً للاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك.
وقبل ذلك كان الرئيس بايدن قد سلك نهجاً مغايراً لقواعد التعامل السليم، مع السعودية والإمارات اللتين تربطهما بأميركا علاقات صداقة وتحالف قديمة، بتنكره للالتزام بالدفاع عن البلدين في مواجهة الاعتداءات المتكررة من مليشيات الحوثي، واكتفائه بتصريحات إدانة! وفي الوقت ذاته كانت دول الاتحاد الأوروبي تحاول إرضاء البلدين بتصنيف الحوثيين منظمةً إرهابيةً.
وبينما يسعى الرئيس بايدن لإبرام الاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن، لتمهيد الانسحاب من الشرق الأوسط، دون حساب لمصالح دول الخليج وقلقها من تداعيات أمنية مصاحبة للاتفاق، خاصة أن رفع العقوبات عن إيران سيمكّنها من الحصول على أموال لدعم مليشياتها الإرهابية ووكلائها في المنطقة. والرئيس بايدن يحاول توسيع خياراته بشراء النفط من إيران وفنزويلا، وهو قرار قد يدفع ثمنه في الانتخابات النصفية إذ قد يخسر «الديمقراطيون» أغلبيتهم في الكونغرس. 
وإذا كانت خيارات الرئيس بايدن باتباع سياسة فيها الكثير من التناقضات، مقارنة بما سارت عليه الإدارات الأميركية السابقة، فإن السعودية والإمارات تعاملتا بحنكة وذكاء مع فرص التموضع السياسي خلال هذه الأزمة، بما يخدم مصالحهما الوطنية بكل اقتدار، وقررتا اختيار حلفائهما بدقة، وعرفتا كيف توظفان دبلوماسيتهما الخاصة، بين معسكر شرقي وآخر غربي، بهدوء وأناة دون شعارات.
وأوضحت السعودية والإمارات، أكبر اقتصادين عربيين، أنّهما تسعيان إلى سياسة خارجية مستقلة قائمة على المصالح الوطنية. وقد امتنعت الإمارات التي تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي، خلال شهر مارس الجاري، عن التصويت على مشروع قرار أميريكي يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وقاومت دول الخليج الضغوط الغربية لزيادة إنتاج النفط بهدف كبح جماح الأسعار. وأكدت السعودية التزامها بالحصص الإنتاجية ضمن تحالف «أوبك +» النفطي بقيادة موسكو والرياض، كما تلتزم الإمارات بحصص إنتاج التحالف.

سفير سابق