منذ ما يقرب من عام، أعلن الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة ستكون «ترسانة اللقاحات للعالم»، تماماً كما كانت ترسانته للديمقراطيات خلال الحرب العالمية الثانية. وبفضل قيادة الرئيس والدعم المستمر من الحزبين للكونجرس، قدَّمت الولايات المتحدة أكثرَ من نصف مليار لقاح خاص بفيروس كورونا إلى 114 دولةً منخفضةَ الدخل مجاناً، وهو إنجاز تاريخي. حفَّز هذا المثال المساهمات من الدول الغنية الأخرى وساهم في تطعيم ما يقرب من 60% من سكان العالَم.
لكن المعركة العالمية ضد «كوفيد-19» لم تنته بعد. وبدلاً من ذلك تغيَّر التحدي. فالبلدان الأقل دخلاً، حيث لا تتجاوز التطعيمات نسبة 15% من السكان، ترفض الآن إمدادات اللقاح المجانية، لأنها لا تملك القدرةَ على إعطاء جرعات التطعيم بسرعة كافية.
لذا يجب ألا نكتفي بتوفير عدد كبير من الجرعات لحماية حلفائنا من المتغيرات المستقبلية، إنما علينا أيضاً تقديم الدَّعم الذي تحتاجه هذه الدول لتكثيف حملات التطعيم الخاصة بها. ويتطلب هذا الجهدُ المالَ. وعلى الرغم من التمويل السخي لاستجابتنا لفيروس «كوفيد-19» حتى هذه اللحظة، فإن الكونجرس يفشل الآن في توفير الموارد التي نحتاجها. وما أريد قوله هو أن هذا ينذر بمشاكل خطيرة للعالم.

وعلى الرغم من فترة الهدوء النسبي هنا في الولايات المتحدة، نشهد مرة أخرى ارتفاعاً في حالات الإصابة ودخول المستشفيات في أوروبا وآسيا، حتى في الأماكن التي بها مستويات تطعيم أعلى من الولايات المتحدة. وتعود هذه الزيادات إلى متغير «بي إيه 2» (BA.2) الأكثر قابلية للانتقال من سلالة أميكرون شديدة العدوى. وبدون تمويل إضافي، فإننا نجازف بعدم امتلاك الأدوات التي نحتاجها، أي اللقاحات والعلاجات والاختبارات والأقنعة وغير ذلك، لإدارة الزيادات المفاجئة في الإصابات مستقبلاً. ومما لا يقل إثارةً للقلق، أننا إذا لم نتمكن من سد الفجوة في اللقاح بين البلدان الغنية والفقيرة، فستكون الفرصة سانحة للفيروس للتحول إلى نوع جديد.
ومنذ ظهور الفيروس لأول مرة، أثبتت حزمة الأدوات التي طورناها لمكافحته قدرتَها على الصمود ضد جميع متغيرات فيروس كورونا. لكن ليس هناك ما يضمن استمرار هذا الصمود. وإذا ظهر متغير جديد يتجنب دفاعاتنا، فقد يغذي مرة أخرى طفرات جديدة من الأمراض الشديدة ويضرب الاقتصاد العالمي. إن مساعدة جميع البلدان على حماية سكانها من خلال حملات التطعيم فائقة الشحن هو أفضل أمل لنا لمنع سلالات مستقبلية من الظهور وإنهاء هذا الوباء إلى الأبد.
كان تحويل اللقاحات إلى تطعيمات فعلية أمراً صعباً حتى في البلدان الغنية، حيث يتطلب ذلك وجود أنظمة صحية قادرة ومبردات حديثة وحملات توعية عامة عامة.. أي أن أي شخص يريد تلقي التطعيم يمكنه الحصول عليه. في البلدان التي لا توجد بها بنية تحتية صحية قوية، أي بدون ما يكفي من المجمدات والشاحنات المبردة للحفاظ على سلامة اللقاحات أو بدون وجود عدد كافٍ من العاملين في مجال الرعاية الصحية للوصول إلى سكان الريف الذين يعيشون على بعد أميال من أقرب مرفق صحي.. يكون الأمر أكثر صعوبةً. لقد رأينا أيضاً نفسَ أساطير اللقاحات والمعلومات المضللة التي تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتضر بثقة الجمهور في الخارج.
لكننا تعلَّمنا أيضاً كيفية مواجهة هذه التحديات بنجاح. ففي ديسمبر، أطلقت إدارة بايدن مبادرةَ «فاكس» العالمية لمساعدة البلدان منخفضة الدخل على تدريب العاملين الصحيين، وتعزيز البنية التحتية الصحية وزيادة الوصول إلى اللقاحات والتوعية. في حين أن تغطية اللقاحات في تلك البلدان ما تزال أقل بكثير من المتوسط العالمي، فإن التقدم السريع الذي دعمناه في أماكن مثل ساحل العاج وأوغندا وزامبيا يثبت ما هو ممكن عندما تحصل الحكومات الملتزمة بمكافحة «كوفيد-19» على الدعم العالمي الذي تحتاجه.
بدون مزيد من التمويل، سيتعين علينا إيقاف خططنا لتوسيع مبادرة فاكس العالمية. وسيتعين على الولايات المتحدة أن تدير ظهرها للدول التي تحتاج إلى مساعدة عاجلة لزيادة معدلات التطعيم لديها. والعديد من البلدان التي حصلت أخيراً على اللقاحات التي تحتاج إليها لحماية سكانها قد تخاطر برؤيتها تفسد في المطار. لا يمكننا أن ندع هذا يحدث. إنه لا يعرض الأشخاص في الخارج للخطر فحسب، بل يهدد أيضاً صحةَ وازدهار جميع الأميركيين. لن ينتظر الفيروس الكونجرس للتفاوض. إنه يصيب الناس ويتحور أثناء حديثنا.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»