الإسلام لم يكن يوماً عنصرياً قومياً، يمجّد جنساً أو يهين آخر، يرفع عرقاً نازياً أو يميز دماً أزرق. فإسلام الجزيرة عربي الجذور والبذور، اصطدم مع الجاهلية، فاستخرج منها مكارم الأخلاق الإنسانية وليست الدينية فحسب، ثم جاء نبي الإسلام ليرشدنا بقوله: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وفصل الإسلام بين الدين والأخلاق في أكبر قضية اجتماعية عند تكوين النواة الأولى للمجتمع المسلم ألا وهي مؤسسة الأسرة، التي قال عنها المصطفى: «من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، زوج ذو دين وبلا أخلاق لا يصلح، وآخر صاحب خلقٍ بلا دين كذلك يفسد العلاقة الزوجية. جاء الإسلام ليصفي القبلية من النعرات القاتلة «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم»، «سلمان منّا آل البيت» ومعه صهيب الرومي وبلال الحبشي في مرتبة واحدة، لا يميزهم إلا «أكرمكم عند الله أتقاكم» ولا شأن بأكرمهم عند الناس.

يصف الشيخ محمد الغزالي رحمه الله العروبة بأنها وقود الإسلام والمسلمين كافة حطبه الذي يزيده ألقاً، فبدونهم تخمد جذوة الإسلام فلا يستغني هذا عن ذاك، ومصداق ذلك: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وليس للعالم العربي وحده. الإسلام الذي غُرست بذوره العربية في أرض الجزيرة من لدن محمد سيد ولد آدم ولا فخر، وصلت ثماره وفي ظرف ربع قرن إلى الحضارتين الفارسية والرومانية وهو ما لم يقع لأي دين منذ بدء الخليقة، وأكبر مثال من عهد نوح الذي استمر عشرة قرون، ولم يتّبعه إلا أفراد يعدّون على أصابع اليد الواحدة، حتى خرج عن طوره ودعا عليهم بالاستئصال في قوله تعالى: «ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً» أما محمد صلى الله عليه وسلم فدعا لقومه: «اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون».

وهو من هو أصالة النسب العربي القائل: «أنا خيار من خيار من خيار»، ومع ذلك لم يجعل منه هذا النسب الضارب في العروبة، عروبياً إلى حد الشعوبية كما نسمع من البعض الغارق في قعر العنصرية الكريهة في الوقت الذي يحارب العالم أجمع هذه النزعة من أي كهف خرجت بالقوانين الصارمة، وقبل ذلك بقرون قالها المعصوم «دعوها فإنها منتنة».

فالعروبة الفاعلة والإيجابية هي في اللسان العربي «إنما العربية اللسان» وليس الجنس ولا الجينية، «وهذا لسان عربي مبين». لقد كرّم الله عرب الجاهلية وأهداهم أعظم هدية في الدنيا والآخرة، ووضع في أعناقهم قلادة الإسلام، وخصّهم من دون أمم الأرض، وحمّلهم الأمانة التي تهرب من تحملها الجبال الراسيات. هذه النعمة المهداة من أكرم الأكرمين بحاجة إلى التحدث بها أمام كل العالم «فأما بنعمة ربك فحدث».

* كاتب إماراتي