يعدُّ باطلاً، وفقاً لقانون مهنة المحاماة، تحديد المحامي أتعابه بنسبة مئوية من المبلغ الذي قد يُحكم به لصالح الموكِّل. ويقوم هذا المنع على أساس أنّ النسبة قد تعمي بصيرتَه، فيندفع لكسب الدعوى كيفما اتفق، مترافِعاً عن مصالحه هو بالذات، إذ كلما كبُرت كعكة الموكَّل كانت قطعته هو أكبر. 
ورغم صلابة هذا الأساس، إلا أن الصورة هكذا غير مكتملة، إذ لا تخلو مهنة من غير المستقيمين، ويد القانون ليست مغلولة عن المحامي الذي يَثبُت أن العدالة آخر همّه، وقد يتفق مع الموكِّل على مبلغ محدد لا يستحقه إلا بكسب الدعوى، وهذا الاتفاق جائزٌ، ومن ثم فقد يرفع الدعوى بالغش واضعاً نزاهتَه تحت الطاولة. 
وإذا كان محامي النسبة قد يلهث وراء المبلغ المحكوم به، منحرفاً عن الحق لغرض الكسب، فمحامي الأتعاب قد يطمع بالموكِّل، مضلّلاً إياه بأن الدعوى «في الجيب»، طمعاً بما في رصيده البنكي، فيضيعُ وقت العدالة في نظر دعاوى لا أساس لها، إلى جانب أكل مال الرجل بالباطل.
وقد لا يجتهد المحامي الذي يحصل على أتعاب مُقدّمة بـ«السّاهل»، فهي أموالٌ لا ريب آتية كأنها راتب آخر الشهر، وقد يتهرّب من الموكل ويضيّعه بعدما شبع سلفاً، ثم يتناطحان أمام الناس بعدما كانا رأسين في قبعة واحدة، بينما اتفاقهما على جني الثمار معاً بعد تحصيل المبلغ المحكوم به فيه ضمانة لتفانيه في خدمة الموكِّل، وهذا الاتفاق في نهاية الأمر قائمٌ بين شخصين مؤهلين لإبرامه. 
ويمكن تخيّل أصحاب حقوقٍ كُثر لا يسعون وراءها نظراً لارتفاع تكاليف المطالبة بها، وفي هذا إخلالٌ واضحٌ بالعدالة. فلو افترضنا مرورَ الدعوى بكافة مراحل المحاكمة والتنفيذ، وكانت قيمة المطالبة المدنية 500 ألف درهم، فإجمالي الرسوم القضائية مبلغ بين 42 ألف درهم و67 ألف درهم، تبعاً للمحكمة التي ستنظر الدعوى، إلى جانب المصروفات الأخرى، كأتعاب الخبرة. فإذا فرضنا أن أتعاب المحامي 50 ألف درهم، فيكون الموكِّل قد دفع نحو 100 ألف درهم مقدماً، وقبل أن يستردّ درهماً من حقه. 
أما إذا أجيز للمحامي اقتضاء أتعابه بالنسبة المئوية، فهذا من شأنه عدم تردّد أصحاب الحقوق في التماسها، وزيادة الدعاوى التي يمثّل أطرافها محامون، إذ سيزيد الإقبال عليهم، وسينال حتى الذي لا يملك شيئاً فرصتَه مع محترف قانوني، مما يوسّع سوق المحاماة، وكلما اتسعت هذه السوق استقبلت أعداداً أكبر من خريجي القانون، ممّا يخفف عبء توظيفهم في القطاع العام.
وكلما زادت الدعاوى لأن أصحابها لن يدفعوا فلساً للمحامين مقدماً، ارتفعت إيرادات الحكومة من خلال الرسوم القضائية والضرائب على الأتعاب. وكلما زادت الدعاوى، كَبُر حجم العمل القضائي، وأصبح القضاء أكثر قدرة على تعيين الموظفين الجدد. كما أن النشاط سيدبّ في القطاعات الخادمة للمجال القضائي، كالترجمة والمحاسبة والخبرة. 
وحسب ما أعلم، فإن دولاً كثيرةً تجيز للمحامين استيفاءَ أتعابِهم من خلال نسبة من المبالغ التي سيُحكم بها، كما في الولايات المتحدة، ودولة الكويت.. وقد مضى على صدور قانون تنظيم المهنة في الدولة ثلاثون عاماً، ومن المتوقع صدور قانون جديد بهذا الشأن، وهذه دعوة لرؤية الموضوع بمختلف أبعاده قبل إصدار القانون.

كاتب إماراتي