حاول جاكوب هوبكنز (24 عاماً) جاهداً ألا يصاب بـ«كوفيد-19» في الأشهر السابقة على مارس 2021، حتى يصبح، إذا نجحت محاولته، جزءاً من تجربة فريدة يُصاب فيها الشخص عمداً بالفيروس. وقبل عام تقريباً، أدرج اسمه في قائمة المتطوعين. ومرت الأشهر حتى 23 ديسمبر، حتى اتصل به أخيراً شخص مرتبط بالتجربة. وانتهى به الأمر ليكون أول متطوع يتلقى العدوى ويصبح «المريض1». وبحسب وصفه، استقل هوبكنز سيارة أجرة إلى مستشفى في لندن واضعاً كمامةً حتى يتأكد من عدم إصابته بالفيروس في اللحظة الأخيرة. ووصل يوم الجمعة، وخضع لاختبارات على مدار يومين. وفي اليوم المحدد، جاء خمسة من عمال الرعاية الصحية يلبسون أرديةَ الوقاية الشخصية الكاملة، ومعهم وعاء به محلول فيروس «سارس-كوف2» المسبب لمرض «كوفيد-19»، ثم ضخوا المحلول المعدي في أنفه. وكان هوبكنز واحداً من 34 متطوعاً. 
وهذا النوع من التجارب يسمى «تجارب التحدي». وبفضل هوبكنز والمتطوعين الآخرين، عرف الباحثون معلومات مهمة عن مقدار الفيروسات وأعراضها ومدد حضانتها. ونُشرت ورقة بحثية عن النتائج في مجلة «نيتشر Nature» في 31 مارس هذا العام. وكنتُ قد كتبتُ عن تجارب التحدي في مايو 2020، وتحمستُ للفكرة لدرجة أنني أدرجتُ اسمي في قائمة لمتطوعين يستطيع العلماء الاتصال بهم إذا نظموا مثل هذه التجربة. واعتقدت أنني مرشحةٌ جيدةٌ لأنه لم يكن لدي أي ظروف صحية تجعلني عرضةً للإصابة استثنائياً بـ«كوفيد-19». ونظراً لطبيعة عملي، يمكنني الاتصال بكبار الخبراء في العالم للحصول على النصح بشأن سلامتي وبشأن القيمة العلمية لأي تجربة قد أدخلها. 
وحينذاك، لم يكن أحد يعلم الوقتَ الذي يستغرقه اختبار اللقاحات وإقرارها. واستُخدمت تجارب التحدي لدراسة الملاريا والإنفلونزا وبدت وكأنها طريق سريع محتمل للتوصل إلى لقاح لـ«كوفيد-19». والتجربة قد تقودني إلى سلسلة من القصص الصحفية الجيدة. لكن تجارب اللقاح المعيارية تقدمت بسرعة كبيرة وبدا أن اللقاحات المرشحة الأولى فعالة بشكل مثير للإعجاب. وبحلول نهاية عام 2021، تم بالفعل تقديم اللقاحات للعاملين في مجال الرعاية الصحية في بعض الأماكن. واعتقدتُ أنه سيتم إلغاء كل «تجارب التحدي». لكن تجربة التحدي التي شارك فيها هوبكنز استمرت بالفعل. 
وذكر كريستوفر تشيو، الباحث في «إمبريال كوليدج لندن»، المشرف على التجربة قائلاً: «بدأنا بأقل جرعة»، وزادوا الجرعةَ بالتدريج إذا لم يصب الشخص بالعدوى. لكن مع المحاولة الأولى، تجاوزت الإصابة 50% بقليل. فقد أصيب 18 من 34 متطوعاً. وذكر تشيو أنهم بدأوا يتعلمون للتو من البيانات التي جمعوها. ولم تظهر أي أعراض على اثنين من المصابين البالغ عددهم 18، وعانى الباقون من أعراض خفيفة أو معتدلة، معظمها التهاب الحلق وسيلان الأنف. وأكد تشيو أن إحدى أولى المفاجآت الكبرى كانت قصر فترة الحضانة. فقد بلغت يومين فقط قبل ثبوت إصابة المتطوعين الذين تعرضوا للفيروس في اختبارات «بي. سي. آر»، وطالت المدة قليلاً عن هذا في رصد الإصابة بالاختبارات السريعة. والأعراض، لمن ظهرت عليهم، اتضحت بعد مرور يومين إلى أربعة أيام على التعرض للفيروس. 
وكانت المفاجأة الأخرى هي أن كمية الفيروسات التي يتعرض لها الأشخاص لا تنعكس في شدة أعراضهم - فالأشخاص الذين يتعرضون لكم كبير من الفيروسات تظهر عليهم أحياناً أعراض خفيفة جداً أو لا تظهر عليهم أعراض بالمرة. وأولئك الذين شعروا بالمرض بشكل أكبر تعرضوا لفيروسات أقل أحياناً. ولأن تاريخ التعرض معروف، أفادت البيانات أيضاً في التحقق من فعالية الاختبار. صحيح أن الاختبارات السريعة لم تثبت العدوى دائماً في وقت مبكر مثل اختبار «بي. سي. آر» الأكثر دقةً، لكن تشيو ذكر أنها تثبت معظمَ الإصابات فيما يبدو في الوقت الذي من المحتمل أن يتزامن مع ذروة القابلية للانتقال. وذكر أن الجميع تعافوا بسرعة من جميع الأعراض باستثناء تغيرات في حاسة التذوق والشم. واستمر هذا لمدة ستة أشهر في خمسة من المتطوعين، وظل أحدهم يعاني من تقلص حاسة الشم بعد تسعة أشهر من التعرض للإصابة. 
وذكر هوبكنز الذي يعمل في منظمة خيرية، أنه كان مدرِكاً بشكل جيد لخطر الإصابة بـ«كوفيد-19»، لكنه اعتقد أن فوائد المشاركة في مكافحة الجائحة تفوق المخاطر. ويؤكد هوبكنز أن الباحثين أفاضوا في ذكر مخاطر الإصابة وما قد تنطوي عليه التجربة. وكانت دورة مرضه قصيرة. فقد تعرَّض للفيروس يوم الاثنين، وأثبتت الاختبارات إصابته يوم الأربعاء وبدأ يشعر بقشعريرة يوم الخميس. وأكد أنه عانى من أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا، وكانت «قاسية جداً»، لكنها استمرت ليومين فقط. ثم، بعد أيام قليلة من شعوره بالتحسن، أثناء تواجده في العزل وخضوعه للاختبارات، أخفق في اختبار الرائحة. فالروائح الكريهة التي كان يشعر بقوتها قبل الإصابة لم يعد يشمها على الإطلاق. ثم بعد أيام قليلة، عادت حاسة الشم إليه. 

وتمنح تجارب التحدي العلماءَ مجموعةَ بيانات مضبوطة بشكل فريد، مما يساعدهم على قياس أمور مثل وقت الحضانة ودقة الاختبارات والعواقب طويلة الأمد للعدوى. وقد تفيد في فهم سبب مرض بعض الناس وعدم مرض البعض الآخر.
صحيح أن الوضع تغير كثيراً بعد إجراء هذه التجربة. فنحن نتعامل مع نسل أوميكرون مثل سلالات BA.2 وBA.2.121 وBA.4 وBA.5. وكل شخص تقريباً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أصبح يتمتع بدرجة ما من المناعة ضد بعض سلالات الفيروس. لكن قد تكون بيانات تجربة التحدي مفيدة للغاية حالياً. وتشير هذه البيانات إلى أن الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالعدوى قد يظلون قادرين على نقل العدوى لفترة أطول بكثير من الأيام الخمسة التي يفترض خضوعهم فيها للحجر الصحي. وتطرح نتائج تجربة التحدي أسئلةً علميةً جديدةً تتضمن السؤالَ عن سبب عدم إصابة بعض الأشخاص حتى بعد ضخ الفيروس مباشرةً في أنوفهم! 


كاتبة علمية أميركية