إن التقدم في تحقيق أمر معوز، لخطة تكتيكية واعية لأدواتها ومعطياتها على أرض الواقع، ولذا فحين يرتبط ذلك بالتعددية الدينية، فهو دافع لإلمام معارفي مدرك لخصائص تلك التعدّديّة الضاربة العمق والتأصل في نمط المعرفة الإنسانية، ولكم التراكم المتبلور في التوجّهات الأيديولوجيّة الرئيسة. 
وإن هذه المعرفة، هي التي تنطبق على التعدد الديني، وما يسبقه من فكر، فالثراء أو الفقر الفكري (الأيديولوجي) هو العامل الرئيس الذي يحرك عقارب التوجه الإنساني تجاه التعدد بشكل عام، والديني منه بشكل خاص. 
وفي هذا السياق، فإنه لابد من تحديد المعنى الدقيق لـ«التعددية الدينية»، سيما أن الكثير من التصرفات والسلوكيات الممتدة على خط الزمان الإنساني، عملت على توليد صورة نمطية لدى «الآخر» من كل حدب وصوب. ومن هنا تزايدت مظاهر «سلب» الأديان قيمتَها الأخلاقية، وتفريغها من مبادئها الحقيقية، استناداً لفهم أتباعها. ومنه فإن «التعددية الدينية» هي حالة معوزة لضبط لغوي واصطلاحي، خارج الإطار الأيديولوجي، بالإضافة لنشر متطلباته الثقافية والاجتماعية، باعتبارها من ثوابت المجتمعات الإنسانية. 
وإن النجاح في تحقيق الإشباع المفاهيمي والمعرفي الإنساني عن التعددية الدينية، يعني تحقيق الاحترام البشري فيما بين الناس، أي السمو الأخلاقي والقيمي، والذي يمكن فهمه بصورة أدق بالرجوع لقصة عن الشاعر جلال الدين الرومي الذي نسب له العديد من المفكّرين وضع حجر الأساس لنظريّة التعدّديّة الدينيّة. فقد ذكر في ديوان «مثنوي»، قصته، وفيها: «غرفة مظلمة كان فيها فيلٌ وأربعة أشخاصٍ، وبما أنّهم لم يستطيعوا رؤيته بأعينهم بسبب الظلام الدامس، راحوا يتحسّسون أعضاء بدنه كي يعرفوا ما هو، وإثر ذلك أبدى كلّ واحد منهم برأيه فتعدّدت آراؤهم، حيث لمس الأوّل رجله وقال: هذا عمودٌ، والثاني لمس أذنه فقال: هذه مروحة يدوية، بينما الثالث مرّر يده على ظهره وقال: هذا سرير! رابعهم كان عارفًا يرى الفيل ببصيرة قلبيّة، فخاطبهم قائلًا: هذا ليس عموداً وليا مروحةً يدويّةً ولا سريراً، ولا أيّ شيء من هذا القبيل، وإنّما فيلٌ لمس كلّ واحد منكم أحدَ أعضاء بدنه فأبدى رأيه حسب ما تحسّسه من هذا اللمس المحدود، لذا كلّكم قلتم الحقّ، لكن بما أنّكم لم تشاهدوا البدن بأكمله فقد اختلفت آراؤكم». وكذلك يكون إدراك ما تعنيه التعددية من مفاهيم وما يجب بناؤه إزاء المختلف والمتعدد.
وتعتبر التجربة الإنسانية أحد أبواب الخير التي تسوق لفهم ما يحيط بالأمور من تساؤلات وللإجابة عنها، وبخاصة أنها سبيل الإدراك المنبثق من فوهة التكرار، على النقيض تماماً من فكرة المسلمات التي يوقن الإنسان بوجودها. أي أنه في الاجتهاد للتجربة الإنسانية يتقبل الإنسان ما لا يتقبله في فكرة المسلمات اليقينية، ومن هنا يكون إدراك التعددية قويماً.
وفي ذات الوقت فإن إنجاح التعددية يقوم على صحيح الفهم، مما يعني استمرار الدعوة الحقة للسبر في تفاصيل الحقائق وبراهينها، وتحصين الإنسان فكرَه من خلال المعرفة السديدة، ونقاء بناء الأيدولوجيات، وهو الذي يمكن بالفعل الوصول إليه في الإسلام إذا ما اتبع المسلم شريعة الله الحقة، مستثنياً إياها من كل ما أضيف لمدلولاتها عبئاً لا عوناً في الفهم والإدراك، سيما أن الدين ذاته الذي أقر بالتعددية لا يمكن أن يفند وجودها، يقول تعالى: «لا إكراه في الدين»، فلكل دين احترامه، ولكل إنسان خياره بلا إرغام. 
وفي حين أن المعرفة الدينية تتعطش لريها بالمبادئ والقيم القويمة، فإن التعددية المرتبطة بالدين لا يمكن أن تفشل إذا ما أخذت ما تستحقه من إدراكات مبنية على منهجيّة صائبة. وبذلك لن تقف الاختلافات المتولدة عن التعدد في وجه وحدة الإنسانية الكبرى، وسيستطيع الإنسان هضم الأفكار الثقيلة التي كان يحملها على عقله عبئاً جراء اختلافات الفروع حتى في ذات الدين، وسيبتعد أتباع الأديان عن تجريم الآخر والبحث عن زلاته، فـ«للمصيب أجران، وللمخطئ أجرٌ واحدٌ».
وعليه، فإن التعدّديّة الدينية الواسعة، والتعددية المذهبيّة في ذات الدين، لم تأت إلا بسبب تنوّع الاستنتاجات واختلاف الآراء التي يقع وراءها السعي الجاد للوصول للصيغة المثلى لتحقيق مقاصد الشريعة، ولا يدخل في ذلك أصحاب الآراء دون مؤهل يمكّنهم من البحث والاجتهاد، ولا مطلقي الأحكام بعبثية تبتعد عن المنهجية المتوازنة.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة