في عام 1959 أصدر الفيلسوف البريطاني برتراند راسل كتابه الشهير «حكمة الغرب»، وهو الكتاب الذي قام بترجمته الدكتور فؤاد زكريا. يغطّي كتاب «راسل» تاريخ الحكمة؛ أيْ تاريخ الفلسفة في الغرب. لم يكن العالم أكثر احتياجاً لحكمة الغرب كما هو اليوم، ذلك أن عودة الحرب الباردة، ومقدمات الحرب الساخنة قد تصل إلى المستوى النووي، إنما تمثل تهديداً لكل شيء، للحكمة والحكماء والحاضر والمستقبل.

في عام 2005 صدرت ترجمة كتاب «بات بوكانان» الذي عمل مستشاراً مع ثلاثة رؤساء أميركيين، وهو الكتاب الذي يمثل عنوانه صدمة كبرى «موت الغرب». يتحدث كتاب «بوكانان» عن التآكل البيولوجي والقيمي للغرب، حيث انخفاض أعداد المواليد في أوروبا.. من أيسلندا إلى روسيا، وتراجع مفهوم العائلة على أثر العزوف عن الزواج، وفتور الرغبة في بناء أسرة وإدارتها. وفي مقابل ذلك زيادة أعداد المهاجرين، والتحول السريع في هوية المجتمع الأوروبي. يرصد الكتاب تراجع أعداد المواليد في اليابان وروسيا واليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا. ويعرض أرقاماً مخيفة للتراجع السكاني المتوقع في العقود القادمة.

لقد كان من المنطق أن يعكف قادة وفلاسفة الغرب على دراسة هذا التطور المفزع، وبحث الحلول للحفاظ على «أوروبا الأوروبية».. من دون اختزال ذلك في تصعيد موجات الكراهية والتحريض على المهاجرين، والمزايدة على ظاهرة الإسلاموفوبيا. ما حدث لم يكن في ذلك السياق، بل كان مزيداً من التوتر في العلاقات الدولية، ومزيداً من عدم الجدية في مكافحة التحديات العالمية من التطرف إلى المناخ.

يحتاج الغرب إلى «حكمة الغرب» أو بالأحرى إلى حكمة برتراند راسل ذاته، فلقد أدرك راسل أن السلام هو القيمة الأعلى في العالم، ولقد دخل شيخ فلاسفة القرن العشرين السجن مرتين، وحين دخله في المرة الثانية كان عمره (89) عاماً، وفي المرتين كان السبب أن الفيلسوف أصبح رجل سلام.

حين اندلعت الحرب العالمية الأولى، كان «راسل» يقوم بتدريس المنطق والمبادئ الرياضية، لكنه سرعان ما شعر بالإحباط، فملايين الناس يموتون في الحرب والرجل قابع في الخنادق الفلسفية. قرر راسل العمل من أجل وقف الحرب، وفي عام 1918 تمت محاكمته، وأودع السجن ستة أشهر، بسبب دعوته للسلام!

بعد الحرب قرر راسل أن يعرف العالم الجديد أكثر وأقرب، فزار الاتحاد السوفييتي، وهناك التقى لينين وتروتسكي وجوركي، لكنه كره ما رأى، قرر أن يناهض الشمولية، فهاجم الاتحاد السوفييتي، حتى أنه طلب من الولايات المتحدة أن تضربه بالقنبلة الذرية لأنه «دولة الشر». عاد راسل إلى السلام من جديد، وغيّر رأيه السابق بضرب الاتحاد السوفييتي نووياً، بل خصص ما بقي من حياته لمواجهة السلاح النووي.

ولمّا وقعت حرب فيتنام قاد الفيلسوف الحائز على جائزة نوبل المظاهرات ضد الحرب. ثم واصل نشاطه الكبير ضد الأسلحة النووية، وبسبب ذلك دخل السجن عام 1961 لمدة أسبوع، بسبب دعوته للسلام النووي. أدرك راسل «حكمة الغرب» الحقيقية، وهي السلام. والآن صار صوته خافتاً وبعيداً، أمام أصوات المواجهة والقتال وتوسيع مساحات الحرب. كم يحتاج العالم إلى حكمة الغرب وحكمة برتراند راسل قبل أن ينتهي كل شيء.

* كاتب مصري