يراقب الأميركيون أسعار جالون الوقود عن كثب: 4.48 دولار في جورجيا، و5.05 دولار في أوهايو، و6.44 دولار في كاليفورنيا.

فأسبوعاً بعد أسبوع، ترتفع الأرقام في محطات الوقود. سكان بعض البلدان الأخرى متعودون على ارتفاع الأسعار، حيث يتجاوز سعر الجالون الواحد في هونغ كونغ 10 دولارات ويتراوح ما بين 7 و9 دولارات في معظم أوروبا. ولكن الولايات المتحدة لطالما اعتمدت على الوقود الرخيص نسبياً لتغذية اقتصادها المرتكز على السيارة.

غير أن متوسط أسعار الوقود الأميركية بلغ مستوى غير مسبوق في 15 يونيو: 5.01 دولار، وهو اتجاه تصاعدي يساهم في أعلى تضخم تعرفه البلاد منذ أربعين عاماً. ولإبطاء الضغط التضخمي، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» معدلات الفائدة بـ0.75 نقطة مئوية يوم الأربعاء في أكبر قفزة في 28 سنة.

ومع تزايد القلق بدأ توجيه أصابع الاتهام. في وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أن واحداً من متهمين اثنين يتحمل مسؤولية أسعار الوقود الحالية: الشركات التي تتلاعب بالأسعار، أو الرئيس الأميركي جو بايدن. وفي الأثناء، سمّت إدارة بايدن الوضع الحالي بـ«ارتفاع بوتين». بيد أن القصة الحقيقية تنطوي على بعض التفاصيل والفروق الطفيفة.

فأولاً، هذه ليست مشكلة أميركية خالصة: ذلك أن كندا والمملكة المتحدة وبلداناً أخرى تواجه أيضاً أسعاراً قياسية. ويشير الاقتصاديون إلى أن سوق النفط هي سوق عالمية تتأثر بصدمات العرض والطلب من قبيل خروج العالم من الجائحة والهجوم الروسي لأوكرانيا. ارتفاع الأسعار يمثّل تذكيراً قوياً بحاجة الإنسانية إلى الانتقال من الوقود الأحفوري بسبب تغير المناخ.

وإذا كان لا أحد يضغط على المستهلكين، فإن كلاً من المشترين والبائعين مسؤولون عن تحركات السوق – والطلب على الوقود انتعش بسبب اختيارات المستهلكين وكذلك احتياجاتهم.

ومثلما هو الحال في الغالب، فإن الأمر يتعلق بتضافر مجموعة من الأشياء. فأسعار الوقود تتبع عادة سعر خام النفط، الذي يشكّل عادة حوالي نصف سعر محطة الوقود ولكنه ارتفع إلى 60% خلال الأشهر الأخيرة.

فحينما بدأ الوباء، تباطأ السفر والصناعة، ما خفّض بشكل دراماتيكي الطلب على خام النفط. وردّت شركات النفط على ذلك بخفض الإنتاج وتسريح العمال، وفي بعض الحالات بإغلاق المصافي. ومع انتهاء الإغلاقات وانفتاح المجتمع من جديد، ارتفع الطلب الذي كان مكبوحاً، بينما تخلّف الإنتاج العالمي عن مواكبة الارتفاع. عدد من العوامل تفسّر هذه الهوة في الإنتاج. ومن ذلك أن ارتفاع كلفة المدخلات ومشاكل سلاسل توريد بعض الأجهزة والمعدات صعّبت زيادة الإمدادات بسرعة.

وعلاوة على ذلك، فإن شركات النفط والغاز تتردد في الاستثمار في البنية التحتية النفطية على المدى الطويل، وذلك بالنظر إلى الطموح الدولي في الإنهاء التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري، بما في ذلك قرار الرئيس بايدن إلغاء خط أنابيب «كيستون إكس إل». ثم هناك الهجوم الروسي على وكرانيا في 24 فبراير بالطبع. والحق أن الأسعار كانت آخذة في الارتفاع حتى قبل الغزو، ولكنها تسارعت عندما اتجه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نحو إزالة النفط الروسي من إمداداتهما من الطاقة.

وفي هذا الصدد، يقول «كريس نيتل»، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا: «إن الرفض الغربي لشراء النفط الروسي ناجح»، مضيفاً: «وهذا يعني أن روسيا قادرة على بيع نفط أقل وأن الأسعار العالمية ستعرف بعض الضغوط الصعودية».

في 2021، كانت 8% فقط من الواردات الأميركية من المنتجات النفطية مصدرها روسيا، ولكن نفطاً روسياً أقل في السوق يجعل خام النفط أغلى بالنسبة للجميع. الرئيس بايدن ردّ على الدعوات لزيادة إمدادات النفط الأميركية عبر الإفراج عن مليون برميل في اليوم من «احتياط النفط الاستراتيجي».

ولكن الخطوة لم تؤثر كثيراً على الأسعار، وهو ما يعتبره الدكتور نيتل غير مفاجئ، بالنظر إلى الاستهلاك العالمي اليومي الذي يناهز 100 مليون برميل. ثم إنه حتى لو وسّع بايدن الحفر والتنقيب على الأراضي الفيدرالية – وهي خطوة دعا إليها البعض – فإن أي إمدادات تنتج عن ذلك لن تظهر بسرعة.

وأثناء تطرقه لما يعتبره البعض أزمة سبّبها جشع شركات النفط والغاز، وعرفت أرباحاً حطّمت أرقاماً قياسية خلال الربع الأول من 2022، بعث الرئيس بايدن رسالة إلى الشركات الكبرى هذا الأسبوع قال فيها إن الهوامش المبالغ فيها «تفاقم تلك المعاناة» بالنسبة للمستهلكين. وكان مشرّعون «ديمقراطيون» أعدوا «قانون حظر التلاعب بأسعار وقود المستهلك».

هذا التشريع اجتاز مجلس النواب في مايو الماضي وفق المواقف الحزبية من هذا الموضوع، ولكنه يواجه معركة صعبة في مجلس الشيوخ. إذ يرى معارضوه أن الأرباح المرتفعة نتيجة معقولة لقوى السوق، ولا تعني بالضرورة تلاعباً بالأسعار.

«إدارة معلومات الطاقة» الأميركية تتوقع انخفاضاً في أسعار الجازولين بحلول 2023، ولكن ذلك سيتوقف على الكيفية التي ستواصل بها العقوبات التأثير على إنتاج النفط الروسي، والكمية التي ستقرر منظمة البلدان المصدّرة للنفط إنتاجها، وإلى حد ما، معدل توسيع الحفر والتنقيب في الولايات المتحدة.

وفي الأثناء، يرى «ديفن غلادن»، مدير الشؤون الفيدرالية في «جمعية السيارات الأميركية»، أن السيناريو الحالي يفتح أعين المستهلكين على الواقع وضرورة التحول الطاقي؛ إذ يقول: «إذا كان القيام بذاك التحول إلى المركبة الكهربائية يقع ضمن ما تسمح به الإمكانيات، فإنهم سيفعلون ذلك».

* كاتبة أميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»