لم يستطع التقدم العلمي والمعرفي الذي حققته البشرية أن يحدّ من اندفاع البشرية إلى الحروب، ولم يستفد البشرُ من تجارب الفواجع الكبرى التي عانت منها أممٌ وشعوبٌ عبر التاريخ، وكان حسْب البشرية ما عانته في القرن العشرين من ويلات حربين عالميتين هما الأشد قسوةً في تاريخ الإنسان على الأرض، بسبب ما حققه من تقدم تقني في صناعة أسلحة الدمار الشامل. ونفهم أن الحروب تاريخياً هي صراع بين قوى الخير وقوى الشر، وصراع بين مظلوم وظالم، وحين يكبر الطغيان لدى الإنسان تختفي الحكمة ويصير حق القوة أعلى من قوة الحق.

وعلى الرغم من أن سنوات الحرب الباردة بعد الحرب الثانية كانت فترة استراحة تم تتويجها بإعلان بوش الأب نظاماً دولياً جديداً، إلا أن الحروب لم تتوقف في العالَم، إذ استمرت النزاعات المسلحة في آسيا وأفريقيا وحتى في أوروبا، واستمر سباق التسلح بين الدول العظمى استعداداً لجولات قادمة أقسى من كل ما عرفته الإنسانية، وفي عالمنا العربي توالت سلسلة حروب من 1948 إلى 1956 في العدوان التلاثي على مصر، إلى نكسة 1967 ثم إلى حرب أكتوبر عام 1973، ثم الحرب الأهلية في لبنان (1975 - 1990)، فضلاً عن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

وعلى الصعيد العالمي، ارتفع عدد الحروب من 25 حرباً قبل 1950 إلى 52 حرباً بعد الحرب العالمية الثانية، وكان من أخطرها الحرب السوفييتية في أفغانستان عام 1979 التي جرّت بعدها سلسلة من الحروب. وبعد إعلان النظام الدولي الجديد وبروز العولمة بقوة، نشب أكثر من ثمانين صراعاً من حروب أهلية أو داخلية إلى صراعات على السلطة أو صراعات أيديولوجية أو دينية، أبرزها حرب البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995. ولم تفلح المفاوضات الفلسطينية والعربية - الإسرائيلية في الوصول إلى حلول سياسية نهائية رغم الانتفاضات الفلسطينية.

ولقد كانت قضية فلسطين هي الشغل الشاغل للعالم العربي طوال سبعين عاماً الماضية، وكان العرب قد خاضوا حروب الاستقلال، وخرج من بلدانهم الفرنسيون والإنجليز والإيطاليون والإسبان، ولم يكن في الحسبان أن تنشأ حرب مدمرة بين العراق وإيران مطلع الثمانينيات، وأن تقود التداعيات إلى غزو العراق للكويت وما انجرّ عن من عواصف الصحراء، ثم سقوط بغداد، فتصاعد التمدد الإيراني في المنطقة العربية، والذي جعل العرب مضطرين للتكاتف أمام خطر توسع الصراعات الراهنة، وتقوية شبكة علاقاتهم الدولية وبخاصة بعد التقلبات الحادة في المواقف الأميركية التي بدت مضطربةً، وقد انسحب هذا الاضطراب على العالَم كلّه، لاسيما على أوروبا التي تتحمل اليومَ أكثر من سواها نتائجَ الحرب الروسية الأوكرانية التي نتوقع أن تغير مسارات أساسية في العلاقات الدولية.

وتقول العرب «رب ضارة نافعة»، ويقول شاعرهم عمر أبو ريشه: «لمت الآلام منا شملنا، ونمت ما بيننا من نسب».. فإزاء تضخم الفواجع والمآسي التي يمر بها العالم العربي، تدعو الحكمةُ إلى لم الشمل، وتجاوز الخلافات، والعمل المخلص المشترك للدفاع عن مصالح الجميع، وهذا ما لمسنا نتائجَه الأولية في الاحترام الدولي لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة، وموقف المملكة العربية السعودية من قضايا الطاقة، ومن دعوتهما للحل الدبلوماسي في الحرب الروسية الأوكرانية دون الانجرار إلى ساحات الصراع ورغبات الآخرين. ونرجو أن تكون القمم العربية والدولية المرتقبة خلال هذا الشهر فاتحةً لعهد عربي جديد.

*وزير الثقافة السوري السابق