تراقب الحكومة الإسرائيلية المؤقتة الموقف الراهن بين الولايات المتحدة، وإيران بشأن الاتفاق النووي، وبصرف النظر عما ستؤدي إليه من نتائج – وإن كانت الرهانات على الفشل قائمة - ويلاحظ أن الحكومة لا تزال تكرر خطابها الإعلامي والسياسي بشأن مخاطر التوصل لاتفاق قد يؤثر على أمنها القومي، وهو ما برز في استمرار العمل وفق مبدأ الأخطبوط، والذي يتضمن تكثيف العمليات السرية ضد برامج إيران النووية والصاروخية والطائرات من دون طيار على الأراضي الإيرانية، بدلاً من استهداف وكلائها الإقليميين في دول ثالثة مع مراقبة ما سيجري من تطورات حال فشل التوصل لاتفاق مبدئي. وتزامن استئناف المفاوضات النووية وسط تصاعد الأزمة السياسية داخل إسرائيل بعد حل الحكومة، والذهاب إلى انتخابات برلمانية، هي الخامسة في 3 سنوات.

وذلك في ظل التوقع بتوظيف بعض الأحزاب اليمينية - التي تسعى لتشكيل الحكومة المقبلة- مسألةَ الاتفاق النووي في أجندتها الانتخابية، وهو ما دأب عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو منذ عام 2012، واستخدمه وسيلة لاستمالة جمهور الناخبين.

ومن ثم فإن خيارات إسرائيل في التعامل مع أية تطورات في الملف النووي الإيراني ستكون محدودة، وليست كبيرة كما يتوهم البعض في ظل استبعاد فرص إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، لعدم قدرة إسرائيل على القيام بمثل هذه المهمة بمفردها.

إضافة للتوقع بامتناع الحكومة الإسرائيلية المؤقتة عن الصدام مع إدارة الرئيس بايدن بالملف النووي الإيراني، كي لا تقدم تنازلات في ملفات مهمة مثل القضية الفلسطينية، وفي ظل استمرار دعم الإدارة الأميركية إسرائيل في القيام بعمليات سرية ضد إيران ومشروعها النووي.

والمستجد في إسرائيل، ووفقا لما آلت إليه الأوضاع وبقاء الحكومة المؤقتة هو استمرار حالة التجاذب أمنيا واستراتيجيا حول التعامل مع مرحلة استئناف التفاوض، وخلافا لموقف الموساد الذي يدعو لعمل عسكري محدود للعودة للتفاوض، ومعارضته المعلنة والمباشرة للتوصل لاتفاق نووي مع إيران أي أنه ما زال يتبنى الخيار العسكري، تبدي في المقابل قيادة الجيش وهيئة الأركان القبول المتحفظ لعودة واشنطن للاتفاق النووي، وذلك بعد أن وضعت إيران آلية لتسريع وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% في منشأة نطنز، مع التأكيد على أن أي اتفاق يمكن التوصل إليه – وهو خيار مستبعد - سيمنح إسرائيل الوقت الكافي للقيام بعمل عسكري.

وهناك مخاوف من احتمالات بروز ضغوطات من الجيش على رئيس الوزراء المؤقت يائير لبيد، بمواصلة إسرائيل التصعيد ضد إيران، وتوظيف زيارة الرئيس الأميركي بايدن المقررة في 13 يوليو الجاري إليها للضغط على واشنطن من أجل عدم رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران، وإرغامها على التخلي عن المشروع النووي العسكري، وتكثيف رقابة الوكالة الذرية للمنشآت النووية الإيرانية مقابل الحصول على تسهيلات، والمعنى أن القيادة العسكرية، ممثلة في الاستخبارات العسكرية «أمان»، تدعو لتوجه أميركا للعودة إلى الاتفاق الأصلي ومع أي سيناريو، حيث إن ذلك التوجه سيبعد إيران عن صنع القنبلة ويمكّن إسرائيل من تعزيز قدراتها العسكرية، وتحصين الجبهة الداخلية، مع العمل على تكثيف جهودها في المسار الدبلوماسي لتشكيل حلف إقليمي من أجل مواجهة التحديات الإقليمية.

المجمل أن المقاربة الأمنية الإسرائيلية ترى أن الطريقة الأمثل لمحاصرة إيران وإعادتها إلى التفاوض الجاد للوصول إلى اتفاق ناجح، بالاعتماد على ممارسة ضغط دولي حقيقي وخيار عسكري، ووفقا للتقييمات الإسرائيلية يجب التفريق بين مشروع إيران النووي والتوسعي في المنطقة، وبين مخططاتها للمساس بأمن إسرائيل، وأنه ليس من مصلحة إسرائيل مواجهة النووي الإيراني.

وفي ظل تفاصيل عدة يمكن التأكيد على أن هناك إجماعاً في المؤسستين الأمنية والعسكرية على أي اتفاق مع إيران لن يكون جيدا لإسرائيل في ظل رغبة كل الأطراف المعنية، بالعودة إلى الاتفاق حتى لو فشلت كل المفاوضات الراهنة والمنتظرة.

*أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والشؤون الاستراتيجية.