طالما أكدت الدراسات والوقائع في السابق «تشابهاً كبيراً» بين الاقتصادين اللبناني والأردني، وطبيعة تطورهما متأثريْن بمسيرة علاقات كل من البلدين، العربية والدولية، والتي تخضع لـ«الحوكمة الرشيدة» في أداء سياستهما الخارجية ومتطلبات مصالحهما الاقتصادية والمالية والاستثمارية.

وتشاء الأقدار أن يكون البلدان في منطقة «عالية المخاطر» بدءاً من عام 2011، متأثريْن بالتداعيات السلبية الناتجة عن أحداث سوريا، نتيجة للترابط الكبير بين البلدان الثلاثة. ويُستدل من أرقام موازنة الأردن لعام 2020 أن إجمالي التمويل المطلوب لتغطية العجز وتسديد أقساط القروض الخارجية والداخلية، والالتزامات المتأخرة المترتبة على الدولة بلغ 8.55 مليار دولار، وقد اعتمد -لتوفير هذا المبلغ- على قروض داخلية ومساعدات مالية واقتصادية وأمنية من الولايات المتحدة، وقروض من مؤسسات التمويل الدولية (ومنها صندوق النقد)، إضافة إلى قروض ومساعدات أوروبية وعربية، لاسيما المتوافق عليها مع بعض دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات).

وفي ضوء تطبيق كل ذلك بلغت موازنة العام الحالي 14.9 مليار دولار، بعجز قدره 2.4 مليار دولار. لكن الأهم من ذلك أن الأردن تمكن من استثمار «فائض الثقة» الدولية بنجاحه في إصدار سندات دولية فاقت طلبات الاكتتاب عروضاً بقيمة 6.20 مليار دولار، تقدمت بها نحو 200 مؤسسة وشركة استثمارية كبرى (35% منها أميركية و25% بريطانية).

وفي هذا السياق، أطلق الأردن خطةً لتحديث اقتصاده تمتد حتى عام 2033، تهدف إلى جذب استثمارات بقيمة 41 مليار دولار، وذلك بمشاركة بعض دول مجلس التعاون، وعدد من المستثمرين الخليجيين.

مع العلم أن الشركات الإماراتية تستثمر حالياً نحو 12 مليار دولار، أي أكثر من ثلثي الاستثمارات الأجنبية في منطقة العقبة. وبذلك أصبح الأردن مركزاً استثمارياً للدول العربية المختلفة، ويهدف إلى أن يكون ضمن أفضل 30 دولةً في جذب الاستثمار العالمي. هل يمكن أن يستفيد لبنان من «تجربة» الأردن؟

ومع قرب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر المقبل، تجمع تقارير الخبراء على أن مجموعة عوامل اقتصادية وسياسية مسؤولة عن الانهيار الذي يشهده لبنان، في ظل نظام يتغلغل فيه الفساد، قائم على المحاصصة الطائفية، وسياسات مالية بغطاء سياسي من منظومة السلطة الحاكمة.

وفي البحث عن الحلول ووسائل الإنقاذ من هذا الانهيار، يبدو أن لا شبيه لما يجري في لبنان إلا ما حصل في القسطنطينة في القرن الخامس عشر، عندما سقطت الإمبراطورية أثناء جدل أدى إلى انقسام مجلس حكمائها حول «جنس الملائكة»! وبينما يتلهى المسؤولون اللبنانيون بطبيعة الخسائر وحجمها ومَن يتحملها.. وهو جدل بيزنطي عقيم لا يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية.

لقد مضت ثلاث سنوات (منذ صيف 2019) من «اللاقرار»، خسر لبنان خلالها 70 مليار دولار، ومع كل يوم تأخير في اعتماد الإصلاحات الحقيقية تزداد الخسائر وتطولُ فترة الخروج من الأزمة، بينما هذا المبلغ كان كفيلا بوقف الانهيار، وإطلاق تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي. لكن المشكلةَ كما لخصها البنك الدولي تكمن في «استيلاء النخبة على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرض للصراع والعنف. وأوجدت المعوقات الرئيسية نظاماً سياسياً هشاً قاصراً، ودولة عاجزة عن عزل الصراع السياسي عن قدراتها على الحكم وممارسة السلطة».

لذا فالمطلوب تقديم دراسة «جدوى سياسية» لنظام الحكم في لبنان، قبل تقديم دراسة «جدوى اقتصادية»، تمهيداً لإقرار المساعدات وبرنامج القروض المطلوبة، وتحديد قدرة لبنان المالية على تسديد الأقساط في مواعيدها، بما يمكّنه من استعادة مصداقيته وثقة العالم به وبعلاقاته العربية والدولية.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية