«أكثر سخونةً من الصحراء».. ظهرت هذه العبارة في العناوين الرئيسية للصحافة الأوروبية خلال الأسبوع الماضي، حيث أدت موجةُ الحر غير العادية إلى تعطيل الحياة في العديد من البلدان، وخاصة البرتغال وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وفي التاسع عشر من يوليو، شهدت لندن أشد أيامها حرارةً منذ حفظ السجلات اليومية في القرن التاسع عشر، بحرارة تتجاوز 40 درجة مئوية أو 104 فهرنهايت، كما كانت درجات الحرارة المرتفعة للغاية سائدةً في بلدان أخرى في نصف الكرة الشمالي غير معتادة على مثل هذه الحرارة، بما في ذلك روسيا والصين واليابان.

وبالنسبة لمعظم الأميركيين الذين يعيشون في المدن التي تصل بشكل روتيني إلى درجات حرارة تتراوح بين 38 و40 درجة مئوية، فإن فوائد تكييف الهواء تعتبر أمراً مفروغاً منه. جميع قطارات الأنفاق والقطارات الرئيسية باردة مثل معظم المحلات التجارية ومباني المكاتب والفنادق. اعتادت فلوريدا أن يكون عدد سكانها، في هذا الوقت من كل عام، منخفضاً جداً نظراً لفصل الصيف الحار. لكن تكييف الهواء وصل في عشرينيات القرن الماضي وأصبح مألوفاً بحلول عام 1940. وتعد فلوريدا الآن ثالث أكبر ولاية من حيث عدد السكان. وفي المقابل، فإن معظم مدن أوروبا لديها فقط مكيفات هواء محدودة في مباني المكاتب والفنادق الفاخرة. ونظام مترو الأنفاق الضخم في لندن لا يبرّد إلا في عدد قليل جداً من الخطوط العديدة المختلفة.

وتعتبر درجات الحرارة المرتفعة على نطاق واسع دليلاً آخرَ على أن الاحترار العالمي الناجم عن تغير المناخ هو خطر واضح وقائم وسيزداد سوءاً، ما لم يتم اتخاذ خطوات جذرية لتقليل انبعاثات الكربون.

حتى وقت قريب، كانت كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تقود الجهودَ العالميةَ للتحرك بسرعة أكبر نحو إقامة مجتمعات تعتمد على استخدام الطاقة المتجددة. ثم جاءت حرب أوكرانيا في فبراير 2022 مما أدى إلى انتكاس التحرك نحو الطاقة الخضراء. كانت أوروبا تعتمد بشكل خاص على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي والنفط. لكن بمجرد فرض عقوبات صارمة على روسيا بعد انطلاق الحرب، وجدت أوروبا نفسَها تواجه معضلةً قاسيةً. والآن فإن الأولوية الرئيسية للدول الأوروبية هي تنويع إمدادات طاقة الوقود الأحفوري، وفطم نفسها في النهاية عن أي اعتماد كبير على روسيا.

وهذا يعني زيادةَ مشترياتها من الوقود الأحفوري من مصادر بديلة، بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا الشمالية، وزيادة إمداداتها الخاصة من الفحم، وهو الوقود الأحفوري الأكثر تلويثاً للبيئة. وما لم تتمكن الحكومات الأوروبية من طمأنة مواطنيها إلى أنهم لن يصلوا درجةَ التجمد مع حلول فصل الطقس البارد في غضون أربعة أشهر فقط، فيمكنها توقع غضب عام سينعكس في الانتخابات القادمة.

من المحتم في ظل هذه الظروف أن تتجاوز المصالح السياسية قصيرة المدى الحاجة طويلة المدى لتقليل استخدام الوقود الأحفوري. وبالنسبة لألمانيا تحديداً فهي تواجه معضلةً مزدوجةً بعد أن اتخذت القرار في يونيو 2011 بالإلغاء التدريجي لمحطاتها النووية التسعة في أعقاب الحادث الذي وقع في فوكوشيما في اليابان قبل ثلاثة أشهر من ذلك الوقت، عندما تسبب تسونامي في أسوأ حادث نووي منذ كارثة تشيرنوبيل عام 1986. وتواجه الولاياتُ المتحدةُ أيضاً خياراتٍ صعبةً بشأن خيارات الطاقة لديها في وقت ارتفاع التضخم الذي تسبب في ارتفاع أسعار الغاز.

إن مطالب «الجمهوريين»، وبعض «الديمقراطيين» أيضاً، بأن تقوم الولايات المتحدة بالمزيد من أعمال التنقيب عن النفط والغاز لتلبية احتياجاتها الكبيرة، تتعارض تماماً مع سياسة بايدن لتقليل الإنتاج المحلي للوقود الأحفوري لتحقيق أهدافه المتمثلة في تقليل انبعاثات الكربون. وطالما استمرت حرب أوكرانيا، فسيتعين على كل من الولايات المتحدة وأوروبا إبطاء خططهما لتقليل استخدام الوقود الأحفوري. وهذا بدوره يضعِف جهودَ القيادة في تحقيق أهداف التصدي لتغير المناخ. لكن أي تباطؤ سيساهم في استمرار الظواهر الجوية القاسية وفصول الصيف الحارة الطويلة التي أصبحت أكثر وأكثر خطورة.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»- واشنطن