ما يعنيني من نتائج قمتي جدة وطهران بالدرجة الأولى هو القضية السورية التي لم تغب عن هاتين القمتين، فقد نوقشت في قمة جدة للأمن والتنمية، وأكد القادةُ «ضرورةَ تكثيف الجهود للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدةَ سوريا وسيادتَها، ويلبي تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254.

وقد شدد القادةُ على أهمية توفير الدعم اللازم للاجئين السوريين، وللدول التي تستضيفهم، ووصول المساعدات الإنسانية لجميع مناطق سوريا». أما قمة طهران التي جمعت روسيا وتركيا وإيران، فقد كانت القضيةُ السوريةُ موضوعَها الأهم، حتى بدت هذه القمة استمراراً لمسار أستانة الذي حل بديلاً قسرياً عن مسار جنيف. والملاحظ أن سوريا كانت حاضرةً بصيغة الضمير الغائب (نحوياً) حيث يصعب حضور مَن يمثل سوريا من السلطة أو من المعارضة أو الجمع بينهما.

وأعتقد أن السوريين عامة يتفهمون دواعي غيابهم في قمة طهران، لكنهم يدركون وجود مَن يمثل رؤية الحكومة (روسيا وإيران) ومَن يمثل رؤية المعارضة إلى حد ما (تركيا) رغم كونها تسعى قبل كل شيء لضمان مصالحها. وفي قمة جدة كان عدم دعوة الحكومة السورية للمشاركة إعلاناً عن موقف ورؤية واضحين، لكن سوريا كانت حاضرةً في البيان الختامي الذي أعلن موقفاً يؤكد الالتزام بالحل السياسي وفق القرار 2254.

ولابد من ملاحظة أن الكيفية التي جرت بها قمة جدة، وما أنتجته من مخرجات، كل ذلك معاً يوحي ببدء مرحلة جديدة في شكل ومضمون العلاقات العربية الأميركية. وهناك في المضمون نجد حالةً من النضج العربي، والصعود القوي إلى حالة من الندية في التعامل، وفي وحدة الموقف العربي.. مما جعل الأميركان يدركون أن محاولات الإملاء على حلفائهم من العرب لم تعد ممكنة، وأن الثقة التي كانت شبه قائمة على مدى عقود مضت قد اهتزت، وأن العرب لم يعودوا مجبرين على خيار قسري وحيد في علاقاتهم الدولية، وهم يرفضون أن يزجوا بأنفسهم في صراعات الآخرين، وأن مصالح شعوبهم هي البوصلة التي تحدد توجهاتهم.

لكن هذا الموقف لا يعني عناداً أو عداءً، فهم يمضون مع الأميركان بما يلبي مصالحهم أولاً، وبما تقتضيه الضرورة ثانياً، دون أن يمس ثوابتَهم. فالاتفاقيات التي تمت حول التنمية والاستثمارات، فيها مصالح للعرب وللأميركان معاً، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام -بشروطها المعلنة- ليس بعيداً عن التزام الموقف الأميركي بـ«حل الدولتين». لكن الرفض العربي لما أشيع مسبقاً حول تشكيل «ناتو عربي»، وحول قيادة الولايات المتحدة للمنطقة عسكرياً، وتفويض إسرائيل بموقع هذه القيادة.. أوضح أن ما ردده الإعلام المغرض كان مجرد أوهام، وقد ردَّ عليها بوضوح وزير الخارجية السعودي.

كما أن رفضَ العرب خيار المواجهة العسكرية مع إيران كان موقفاً حكيماً، بل إن حكمة الإمارات سبقت إذ أعلنت عن أهمية العمل الدبلوماسي، باعتبار أن الخليج العربي جار تاريخي وجغرافي لإيران، وخيار الحرب معها ليس مطروحاً. كما أن الموقف الأميركي ذاته يجعل خيارَ الحرب لاحقاً على فشل العمل الدبلوماسي كلياً. وكذلك كان الموقف المصري المعلن تأكيداً على «حل الدولتين»، وعلى كون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين.

كما طالب بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وأكد أنه «لم يعد مقبولا أن يكون بين أمتنا العربية لاجئ أو نازح من الحروب، وحان الوقت لتضافر الجهود لوضع حد للصراعات والحروب في المنطقة». ولا شك في أن قمة جدة عززت العلاقات العربية الأميركية، وأن ما بدا من موقف عربي متماسك سيجعل الأميركان يعيدون النظر مرة أخرى في أسلوب التعامل مع العرب، وقد أدركوا من قبل أن إهمال المنطقة يضر بمصالحهم الاستراتيجية.

ويبقى السؤال: ماذا بعد القمتين؟ وهل يتطابق القول مع العمل؟ وهل تدرك إيران خطورةَ تدخلها في أربعة أقطار عربية، وأن علاقات السلم وحسن الجوار والمصالح المشتركة أفضل من التدخل العسكري الذي لا يجلب إلا الدمار؟ أما قمة طهران فأظهرت عمق الخلافات بين المشاركين فيها، مما قد يفك الارتباط لاحقاً ويفتح جبهات أخرى للصراع بين «الأعدقاء»!

*وزير الثقافة السوري السابق