عقدت قمة جدة بين قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق ورئيس الولايات المتحدة الأميركية جوزيف بايدن وانفرط عقدها.

ومن وجهة نظر خليجية وعربية نستطيع القول بأنها كانت قمة ناجحة خرجت منها الدول المشاركة بمكتسبات مهمة في ترسيخ الأمن والتنمية، لكن سؤالاً حائراً يبقى عالقاً في الأذهان، وهو هل أعادت هذه القمة الولايات المتحدة الأميركية، كمظلة أمنية كسابق عهدها في الخليج العربي؟ هذا السؤال يضيف سؤالاً معيارياً - عملياً جديداً إلى الأسئلة المعيارية الكثيرة المطروحة على الساحة بشأن علاقات الولايات المتحدة بدول مجلس التعاون.

وبرغم أن سياسة الولايات المتحدة تقوم على مؤسسة راسخة، إلا أنه لكل إدارة تأتي إلى السلطة مناهجها الخاصة في تنفيذ تلك السياسة.

ولأن رئيساً من الحزب «الديمقراطي» هو الذي يتولى زمام الأمور وتدعمه أغلبية برلمانية «ديمقراطية» في مجلس النواب، فإن الحديث، لا بد وأن ينصب على السياسة الخارجية تجاه الخليج العربي من المناظير العامة التي ينتهجها الحزب «الديمقراطي» بهذا الشأن. منطقة الخليج العربي واحدة من أكثر المناطق غير القابلة للتنبؤ بما يمكن أن يحدث فيها من تقلبات وتبدلات في هذا العالم، وتكفي الإشارة إلى أنها شهدت ثلاث حروب طاحنة حتى الآن منذ عام 1981.

ورغم محاولات الإدارات الأميركية المتعاقبة الابتعاد عن ما يحدث في الخليج العربي، إلا أن الأحداث الجسام التي تلم بها ومكامن النفط الغزيرة المتواجدة في باطن أراضيها وبحرها تثبت دائماً وجود حاجة لوضعها كأولوية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية. ما كان يعتقد قبل الزيارة الأخيرة وانعقاد قمة جدة، أن الرئيس الأميركي جو بايدن كسابقه «الديمقراطي» باراك أوباما كان يحاول التقليل من دور بلاده في الخليج العربي والاتجاه شرقاً لمواجهة الصين والاهتمام بمصالح الولايات المتحدة في شرق آسيا والمحيط الهادئ.

لكن الأحداث الكبرى التي تلم بالعالم والمنطقة أثبتت العكس وأجبرته على توسعة نطاق الاهتمام والوقت والجهود المخصصة للخليج العربي، وأن يتعامل مع قضايا السياسة والنفط فيه بشكل مكثف.

وفي تقديره أن قمة جدة قد أعادت الولايات المتحدة - من الناحية الشكلية على الأقل - إلى الخليج العربي من خلال اعتراف الولايات المتحدة ذاتها بأنها في الفترة الماضية أهملت المنطقة وبأنها لن تترك فراغاً مستقبلياً تحتله روسيا والصين وإيران، ومن خلال تشكيل القوة الأمنية لحماية البحار والممرات الدولية بشكل مشترك مع دول المنطقة. إن مثل هذه الاعترافات بوجود أخطاء قد وقعت تفصح عن أن الولايات المتحدة مدركة بأن الخليج العربي كان وسيبقى مهماً جداً لها من النواحي السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية، ولا خيار أمامها سوى العودة إليه بكل ثقلها المعهود.

وفي هذا السياق، والعالم يسير باتجاه اكتمال الربع الأول من القرن الحادي والعشرون يبدو المشهد السياسي والاستراتيجي في الخليج العربي مختلفاً ومتشابكاً، خاصة على ضوء تعقد الملف النووي الإيراني واستعار الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ولهذا الاختلاط والتشابك جانبان سلبي وإيجابي، سنرجئ الحديث حولها إلى مقام آخر.

ولا شك أن زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بعدد من ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية وعقد قمة جدة بحد ذاتها لم تأتي من فراغ رغم أنه لم يكن مخطط لها منذ زمن طويل.

جاءت القمة بعدما وجدت الولايات المتحدة بأنه لا مناص منها بعد أن ثبت لها بأن سياستها الخارجية تجاه المنطقة لم تكن تسير ضمن مسارات صحيحة تضمن لها مصالحها وبأنه لا بد من تقويمها بعد أن بدأت في السير نحو منعطفات خطيرة قد تضر بها على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

فنتيجة للابتعاد الذي حدث وجدت نفسها وهي تواجه منظومة من القضايا العالمية المركبة: ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار النفط، وصراع على النفوس بينها وبين روسيا والصين، وطرق مسدودة حول مفاوضات الملف النووي الإيراني، وارتفاع حدة التحديات بين إيران وإسرائيل حول نفس الملف، والاحتقان في ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واحتدام الحرب في أوكرانيا وسيرها إلى مستويات خطيرة، بالإضافة إلى قضايا الغذاء العالمي وارتفاع الأسعار وغيرها، فكان لا بد لها من العودة إلى الخليج العربي.

* كاتب إماراتي