هناك الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مهمة في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، لكن الانتخابات تدور في الأساس حول أي حزب وأي مرشح يشعر الناخبون بأنهم الأكثر اهتماماً بها وأيهما لديه حلول تلبي احتياجاتهم الأساسية. بالنظر إلى هذا، كان ينبغي أن تهتز دوائر الحزب «الديمقراطي» من موجات الصدمة التي أحدثها إعلان السيناتور «الجمهوري» ليندسي جراهام المدوي بأن «الديمقراطيين» أصبحوا «حزب النخب»، بينما أصبح «الجمهوريون» «حزب الطبقة العاملة». لكن للأسف، تم تجاهل هذه التعليقات إلى حد كبير.

ربما ستكون ملاحظات «جراهام» أكثر دقة لو أنه أضاف وصف «بيضاء» قبل عبارة الطبقة العاملة. تظهر استطلاعات الرأي أن «الديمقراطيين» يتفوقون باستمرار على «الجمهوريين» بين الأميركيين الأكثر ثراء وخريجي الجامعات، وأنهم يفوزون بأغلبية قوية بين الناخبين السود ومن أصول لاتينية وآسيوية. بينما يحظى «الجمهوريون» بدعم قوى بين البيض غير الحاصلين على شهادة جامعية والأقل دخلاً. إنه انعكاس ضار للصراع الطبقي الذي حدد من قبل علاقات الحزبين.

كان «الديمقراطيون» يعلنون بفخر أنفسهم أنهم حزب «العمال»، والعمالة المنظمة، والمهاجرين العرقيين الذين جاءوا إلى أميركا بحثاً عن الفرصة والحرية. واحتضن الحزب «الديمقراطي» هؤلاء لعقود من الزمن، وقام بتنظيم كتلة تصويت قوية فازت بالانتخابات على جميع مستويات الحكومة. فيما كان «الجمهوريون» حزب الشركات الكبرى والحكومة الصغيرة، التي تشجع التجارة الحرة، وتحارب النقابات، وتعمل على تقليص الضرائب والإنفاق الحكومي وتنظيم ممارسات الشركات.

كيف يحظى الحزب «الجمهوري» بمبادئه المتمثلة في حكومة صغيرة، وضرائب أقل، وتقليص القيود على الشركات، الآن بدعم الناخبين من الطبقة العاملة الذين يحتاجون إلى خدمات عامة، ونظام ضريبي عادل، وتوفير الحماية للصحة والسلامة؟

العِرق هو الإجابة الصفيقة، لكنها تحتوي أيضًا على جانب من الحقيقة. فالاضطرابات المصاحبة لحركة الحقوق المدنية أدت إلى حركة رجعية لدى البيض استغلها «الجمهوريون» بشكل واضح منذ عهد الرئيس «الجمهوري» ريتشارد نيكسون.

ولا يزال «الجمهوريون» يحظون بقدر كبير من دعم الناخبين البيض الأكثر فقراً، معولين على شعورهم بالاستياء وإحساسهم بعدم الأمن، من دون تقديم أي حلول. وجرى تحدي الاضطرابات السياسية والثقافية والوطنية والأعراف التقليدية المرتبطة بالجنس وتقسيم الأدوار بين الجنسين والأساطير المؤسسة لتاريخنا خلال عقدي الستينيات والسبعينيات بطرق مزعجة لكنها ضرورية.

وتبنى «الديمقراطيون» هذه القضايا بشكل صحيح، لكن على نحو تجاهل في كثير من الأحيان احتياجات الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء ومخاوفهم. وأصبح «الديمقراطيون» الحزب المدافع عن كثير من القضايا الاجتماعية والثقافية، بينما أصبح «الجمهوريون» الحزب الذي يستغل مخاوف الناخبين البيض الذين شعروا بالتجاهل وبأنهم ضحايا هذه «القضايا».

وأظهرت دراسة حديثة «أن المقاطعات التي يشكل البيض 85% من سكانها، والتي كانت تحصل في عام 1996، على دخل أقل من متوسط الدخل القومي، كانت مقسمة بالتساوي بين الرئيس «الديمقراطي» بيل كلينتون وبين منافسه «الجمهوري» روبرت دول خلال انتخابات الرئاسة 1996. وفي انتخابات 2016، ذهب 658 من أصوات هذه المقاطعات لدونالد ترامب واثنان لهيلاري كلينتون».

وفقد «الديمقراطيون» صلتهم مع الناخبين البيض واستمروا في صيغتهم السياسية التي تقول «إما كل شيء أو لا شيء» – التي تخاطب «النخب» الليبرالية و«قاعدتهم»، لكنها تتجاهل الآخرين أو تزدريهم. ورأى ناخبو الطبقة العاملة البيضاء الذين فقدوا وظائفهم، أن قيمهم موضع اختبار، وشعروا بأن «الحلم الأميركي» أصبح الآن بعيد المنال. ولم تكن القضية قضية عرق وحسب، وإنما قضية شعور بالتخلي عنهم والخطر، الأمر الذي مكّن «الجمهوريون» من استغلال العرق أو الهجرة أو التغيير الثقافي للتذكير بالخوف من أن «الديمقراطيين» سيتخلون عنهم.

وورث دونالد ترامب هؤلاء الناخبين البيض بعد عقود من إهمال «الديمقراطيين»، وأذكى مخاوفهم وتعهد بإعادة الوظائف واستعادة حلم الرخاء، مع عدم وجود نية أو خطة للوفاء بوعوده. وعندما وصل للرئاسة، واصل السياسات التي تلحق الضرر باحتياجاتهم، لكنه احتفظ بدعمهم. إنهم يعتقدون أن ترامب يفهم غضبهم وفقدان السيطرة لصالح القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تركتهم عاجزين.

لا تزال شعبية ترامب قوية لأنه يجسد إحباطاتهم وتطلعاتهم. وفوزه كان فوزا لهم. وأصبحت هزيمته هزيمة لهم. وترامب، الذي يترشح الآن للمنصب، يستنسخ ويواصل رسالته ويستعيد قيادته. التحدي الذي يواجه «الديمقراطيون» هو أن يدركوا أن هذا الأمر أكبر من ترامب - وأكبر من القضايا الاجتماعية والثقافية التي يبنون عليها استراتيجياتهم لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

وعليهم الكفاح من أجل العدالة بين الجماعات العرقية وحقوق المرأة وإصلاح الهجرة. لكن لا ينبغي أن يكون منهجهم «إما- أو»، بل يجب عليهم ترجمة هذه القضايا للناخبين من الطبقة العاملة البيضاء، ليوضحوا لهم أن مخاوفهم أيضا أساسية في برنامج الحزب. فلا شيء يمكنه أن ينهي الاستقطاب ويظهر التزام «الديمقراطيين» بتمثيل تطلعات الأميركيين جميعاً عبر توجيه رسالة وتبني برنامج يشمل الجميع.

رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن