خطرت في ذهني وضحكت، هل يمكن لي أن أصبح أقرب شبهاً بها؟ عدت مرة أخرى لأضحك لأنني لن أكون ولو لمرة في حياتي مثل سالي حافظ، تلك الفتاة التي قامت باقتحام أحد المصارف في بيروت من أجل أخذ أموالها لمعالجة شقيقتها المريضة بالسرطان، فخلال ساعات معدودة تحولت الشابة إلى بطلة لدى الرأي العام المحلي بعد نجاحها في تحصيل جزء من وديعتها لتغطية نفقات علاج شقيقتها نانسي.

المثير في موضوع مغامرة سالي، أنها استطاعت أن توهم الموظفين ومدير الفرع المصرفي بأن مسدسها البلاستيكي حقيقي، لتطالب بالحصول على وديعتها البالغة 20 ألف دولار، لكنها استطاعت تحصيل 13 ألف دولار بنحو 30 مليون ليرة فقط من أصل أموالها، ومع تكرار العمليات التي تشبه ما قامت به سالي من قبل مواطنين آخرين، اضطرت المصارف في لبنان إلى الإغلاق لنحو أسبوع. رمزية سالي تجعلنا ننظر لما يحدث في لبنان، وأزمتها التي تواجهها منذ فترة، حيث قفزت أزمة المصارف اللبنانية إلى ذروتها، دون أن تقدم الحكومة على طرح أية حلول تجعل المواطن أكثر موالاة لحكومته وأكثر ثقة.

لبنان التي تغرق في الخسائر، الدولة والبنك المركزي مفلسان، ومواطنوها يعيشون على حافة القهر، وبقراءة سريعة ستجد كيف يُبنى يوماً بعد يوم التضخم العالمي وهبوط الليرة، ويبادر إلى ذهني ما يقوم به مواطنو لبنان حيث تحولوا بسبب خيبة الحكومة، أقرب شبهاً بوسائل رجال المافيا في محاولة منهم للحصول على أقل القليل من ودائعهم.. السؤال هنا: هل لبنان تحكمها جرأة مواطنيها أو تخبط حكومتها؟ هذا التساؤل تبادر إلى ذهني وأنا أعيد سيرة سهى بشارة التي قامت حينما كانت في العشرين من عمرها، بمحاولة اغتيال العميد أنطوان لحد. لازلت أتذكر كلماتها نصاً وهي تتمشى مع زميلها قبل أن تقوم بعملية الاغتيال، وذلك في كتابها الذي جاء تحت اسم «مقاومة» إذ سألته كيف ستكون ألوان تعذيبها؟ فقال لها بالتأكيد ستتعرضين للصعق بالكهرباء والضرب والركل.

تنفست سهى بشارة الصعداء، وقالت إن هذا مقدور عليه، ولا يشكل لها أية مخاوف، ربما لأن زميلها لم يتطرق إلى أنه من الممكن أن تتعرض إلى الاغتصاب أو ما شابه ذلك. تشعر المرأة بالعار حينما يقترب أحدهم من جسدها، يمثل لها مخاطر عدة، ومخاوف لا حد لها، فجسدها هو هويتها وشرفها ووطنها وعقيدتها، ولهذا، لم تشعر بشارة بالخوف حينما أخبرها زميلها مما ستعاني منه ما أن يتم القبض عليها.

الآن هل يشعر المسؤولون عن مصارف لبنان بالخزي مما يحدث، خاصة عندما يقفون في صمت يقتل المودعين الذين وضعوا أموالهم في البنوك ثقة منهم أنها لن تمس وستكون في مأمن، ومن سهى بشارة أنتقل إلى الحديث عن الفنانة التي غابت لفترة طويلة عن الساحة الفنية سماح أنور، حينما ظهرت في حوار تلفزيوني لتعلن أنها لا تعرف شيئاً عن البنوك، وأن أموالها محفوظة تحت وسادتها أو داخل دواليب غرفتها. ليت الشعب اللبناني استفاد من فكرة الفنانة، على الأقل لكان بخير ولو لقليل من الوقت.

* كاتبة روائية سعودية.