مع أن حدة الخلاف السياسي بين روسيا والولايات المتحدة بلغت أوجها، خلال الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أدت إلى زيادة حالة الاستقطاب للدول الفاعلة والمتأثرة بأزمة الحرب، القريبة كدول الاتحاد الأوروبي والصين أو البعيدة، إلا أن هذا الخلاف السياسي والعسكري أيضاً، ليس شيئاً يذكر، من ناحية التأثير، أمام الخراب الذي يحل بالعالم، من ناحية أزمة الطاقة العالمية

. مهما طالت أو اشتدت الخلافات السياسية بين الدول، فإن حجم تأثيرها على دول العالم الأخرى وشعوبها يبقى محدوداً، ويعتمد حجمه فقط على مدى التقارب الجيوسياسي والاستراتيجي بين أحد طرفي الخلاف والدولة الأخرى، والسبب أنه غالباً ما ينتهي أو يتوقف ذلك الخلاف السياسي، بطريقة أو بأخرى، فيصبح التورط نوعاً من «الغباء السياسي» غير المجدي، أما أزمة الطاقة والوقود، فلا تعرف الحدود ولا يوقفها التفاهم، ليس لأنها بدأت منذ زمن بعيد جداً فحسب، أو لأن الطاقة من أهم مصادر قوة الدولة عموماً، بل لأن أزمة الطاقة متشعبة في أبعادها وتداعياتها، وتمتد لتطال باقي القطاعات الحيوية الأخرى، وتتسبب بأزمات أخرى كسلاسل التوريد والغذاء والنقل والشحن والصحة وغيرها، وتساهم بشكل جذري في أزمة التضخم العالمية.

الصراع من أجل الطاقة، القديم المتجدد، ليس وليد الحرب الأوكرانية الروسية، وليس أيضاً سببه أن الأوروبيين قد بدأوا يشعرون بالبرد الصيفي المبكر، بل هو صراع بقي محتدماً طيلة عقود، بين الدول العظمى والكبرى والنامية، بين الدول المنتجة والمستهلكة، بين جميع دول العالم التي تعتقد أن قوتها الاقتصادية أهم بكثير من قوتها العسكرية، باعتبار أن الطاقة مصدر اقتصادي حيوي وهدف استراتيجي يجب توفيره وكذلك حمايته وعدم العبث به، ولذلك رأينا، كيف انقلب الأوروبيون على الولايات المتحدة في ساعة، حين علموا أن أسعار الغاز ارتفعت أربعة أضعاف، حيث تزايد التهديد على الأمن الاقتصادي الأوروبي برمته، وليس من المستغرب أن تنقلب الشعوب على حكوماتها في أوروبا، في القريب العاجل.

لا نقول إن روسيا لم تلجأ إلى استخدام سلاح الطاقة بشكل استراتيجي لا يمكن الفرار منه، ولكن أيضاً يجب الاعتراف أن التخطيط الاستراتيجي في الولايات المتحدة، في ما يتعلق بأمن الطاقة العالمي، يعاني من ضعف وعجر كبيرين، حيث يطلق عليه البعض اسم «الغموض»، ويراه البعض بأنه نوع من «التكتيك الأميركي» الذي سيؤدي إلى تحطيم الاقتصاد الأوروبي والروسي على حد سواء، ولكن على كل الأحوال، وحسب ما رأينا مؤخراً، فإن هناك تخبطاً أميركياً واضحاً، بعدم القدرة على إيجاد صيغة توازن عملية، لفصل الخلاف السياسي مع روسيا، عن أزمة طاقة عالمية، بدأت تشتعل كالنار في الهشيم.

إذا كانت الأمم المتحدة تُعرّف أمن الطاقة بأنه حالة تكون فيها إمدادات الطاقة متوافرة في كل الأوقات وبأشكال متنوعة ومتعددة وبكميات كافية وبأسعار مناسبة ومعقولة، فإن ما يجري اليوم، بصورة لا يصدقها العقل، بعدم توافر إمدادات الطاقة لكثير من دول العالم، وخاصة الوقود والغاز، إضافة إلى اشتداد الخلاف حول كميات الإنتاج، وارتفاع وانخفاض ومحاولة ضبط الأسعار الفاشلة، يعني بشكل مؤكد، أن «أمن الطاقة العالمي» أصبح مهدداً لدرجة أن إصلاح ذلك، على المدى القريب، ضرب من ضروب المستحيل.

لا بد من وضع الخلافات السياسية والعسكرية جانباً، سواء حول أوكرانيا أو غيرها، لبعض الوقت، والاهتمام الشديد من قبل دول العالم العظمى خاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وكذلك دول الخليج العربي، بضرورة حفظ أمن الطاقة العالمي من خلال التفاهم والاتفاق على بقاء الطلب عند حدوده القصوى مع السعي لإبقاء حالات العرض أقل من الطلب، بهدف استراتيجي عالمي هو تحقيق زيادة عمر الاحتياطات والمخزون وليس استهلاكها، كذلك ضمان استقرار أسعار الطاقة التي تقرها الهيئات المعنية مثل منظمة «أوبك» أو «أوبك بلس»، إضافة إلى زيادة الاهتمام بتنويع مصادر الطاقة وإحلال الطاقة المتجددة والنظيفة تدريجياً. تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة أن حفظ أمن الطاقة العالمي هو واجب أساسي لا يمكن التهاون فيه، وأنه عمل استراتيجي جماعي مشترك بهدف حماية الدول والشعوب من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعرقل مسيرة التطور والنمو العالمي وتدفع إلى عدم الاستقرار الدولي، ولذلك قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، في أول خطاب تلفزيوني للأمة وللعالم أجمع: «نحن مستمرون في ترسيخ مكانة الدولة مزوداً موثوقاً للطاقة وداعماً لأمن الطاقة العالمي كونه العمود الفقري لتمكين النمو والتطور الاقتصادي العالمي».

* لواء ركن طيار متقاعد