يُعد مفهوم «الدولة الفاشلة» من المفاهيم التي يصعب وجود إجماع على تعريف شامل له، فقد عُرِف هذا المفهوم بداية من السبعينيات من القرن الماضي، واختلف تعريفه وفقاً للمصالح المكانية والزمنية لمنطلقات السياسة الخارجية، فضلاً عن الآليات المستخدمة لتصنيف الدول وفقاً له. ومع اختلاف تعريف المفهوم من قبل المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث، نجد أن جميع المفاهيم اجتمعت على أن «الدولة الفاشلة» هي: دولة معترف بها كوحدة على المستوى الدولي، لكنها تعاني ضعفاً وعجزاً في الوفاء بواجباتها تجاه مواطنيها، والتزاماتها على المستوى الخارجي تجاه المجتمع الدولي، وهذا العجز يتمثل داخلياً في فقدان احتكارها للحق المشروع في استخدام القوة على كامل أراضيها، إضافة إلى عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، ودولياً يتمثل في عدم القدرة على التعامل مع الدول الأخرى كعضو كامل في المجتمع الدولي، فضلاً عن كونها مصدر تهديد خطير للنظامين الإقليمي والدولي. 
وبات ضرورياً إيجاد منهجية علمية لضبط وتشخيص المفهوم من خلال مقاربتين، الأولى تتعلق بتمييز المفهوم عن باقي المفاهيم المشابهة له وتحديد خصائص «الدولة الفاشلة» بصورة مجردة، والثانية تتعلق بتبني مؤشرات ومقاييس كمية محايدة تتضمن دلائل فشل الدولة ودرجة هذا الفشل.
وفيما يتعلق بالمفهوم، فإنه يتمايز عن مفاهيم أخرى مثل «الدولة الضعيفة» التي تعاني صعوبة في توفير الاحتياجات والخدمات الأساسية لمواطنيها، و«الدولة المنهارة» التي يتعرض فيها النظام السياسي ومؤسساته للانهيار التام، ما يستدعي إعادة البناء الداخلي له من جديد، و«الدولة الهشة» التي تفتقد فيها الحكومة والمؤسسات إلى الإمكانيات والقدرة لضمان الأمن وحماية المواطنين ومكافحة الفقر. ومفهوم الدولة الفاشلة أشمل من هذه المفاهيم.
خصائص أساسية

يمكن تحديد خصائص وسمات الدولة الفاشلة وفقاً لروبرت روتبرغ، بست خصائص وسمات أساسية:
الأولى استدامة العنف، كما هو حال بعض الدول التي عصف بها ما سمي بثورات الدول التي تشهد صراعات داخلية، والدول التي تشهد عدم استقرار سياسي لنظام الحكم وتتزايد فيها المطالب باقتسام السلطة أو المطالبة باستقلال بعض أجزائها.
وتختص السمة الثانية، بالحرب الأهلية عندما تنشب حرب داخلية تشمل العداء الإثني والعرقي والطائفي والديني بين مكونات المجتمع المختلفة، وتقترب عدة دول من انزلاقها إلى مثل هذه الحروب. 
وترتبط السمة الثالثة بالتناقضات بين أبناء الوطن الواحد، حيث لا توجد دولة فاشلة دون تباينات واختلافات إثنية واجتماعية داخلها، وتصارع أبنائها على اقتسام السلطة. 
وتتعلق السمة الرابعة بمدى الامتداد الجغرافي وممارسة الدولة لسلطتها ومراقبة حدود هذا الامتداد، إذ تعجز الدولة الفاشلة عن تحقيق أمنها ومراقبة حدودها، وفرض سلطتها على أجزاء محدودة. 
والسمة الخامسة مرتبطة باضطهاد الدولة لمواطنيها، ما يدفع أبناءها إلى العداء مع النظام، ولعل ذلك هو أحد الأسباب التي أدت إلى انزلاق الدول العربية إلى ما سمي بالربيع العربي. 

العنف والدول الفاشلة

وتتعلق السمة السادسة والأخيرة بنمو العنف الإجرامي، إذ يُعد ارتفاع حدة العنف أبرز معالم الدولة الفاشلة، نتيجة ضعف الدولة واضطهاد مواطنيها وما يترتب على ذلك من فوضى عارمة تسيطر من خلالها العصابات والجماعات الإرهابية على المدن، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى محاولة حماية أنفسهم بالانضمام إلى كيانات مسلحة موازية للحكومة والجيش.
وفيما يخص تبني المؤشرات والمقاييس الكمية، يمكن إيجاد معادلة تجمع بين المؤشرات الثلاثة التي تقيس «الدولة الفاشلة»:
الأول «مقياس السلام العالمي GPI» الذي يشمل 162 دولة، ووفقاً للتقرير الصادر في يونيو 2022، نجد أن ست دول عربية تتبوأ مراتب متدنية، فنجد اليمن يأتي في المرتبة 162 عالمياً و18 عربياً، في حين أن سوريا تبوأت المرتبة 161 عالمياً و17 عربياً، وجاء العراق في المرتبة 157 عالمياً، و16 عربياً، وحل السودان في المرتبة 154 عالمياً و15 عربياً، وتبوأت ليبيا المرتبة 151 عالمياً و14 عربياً، وجاء لبنان أخيراً في المرتبة 138 عالمياً و13 عربياً. 

محور التنمية البشرية

الثاني «مؤشر التنمية البشرية» الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد شمل 191 دولة في نسخته الأخيرة لعام 2022، من بينها 21 دولة عربية، جاءت الصومال في المرتبة 183 عالمياً و21 عربياً، وأتت السودان في المرتبة 172 عالمياً و20 عربياً، وحلت سوريا في المرتبة 150 عالمياً و16 عربياً، وتبوأ العراق المرتبة 121 عالمياً و14 عربياً، بينما حصلت لبنان على المرتبة 112 عالمياً و13 عربياً، وأخيراً ليبيا على المرتبة 104 عالمياً و11 عربياً. 
الثالث «مؤشر الهشاشة»، في تقريره الأخير لعام 2022، والذي يتضمن 120 دولة للدول الأكثر هشاشة، حيث حل في المرتبة الأولى عالمياً اليمن، بينما جاء في المرتبة الثانية الصومال، وحلت سوريا في المرتبة الثالثة، ويحتل السودان المرتبة السابعة، فيما تبوأت ليبيا المرتبة 21 عالمياً، وجاء العراق في المرتبة 23عالمياً، وأخيراً حل لبنان في المرتبة 27 عالمياً. 

دولة الخليج.. استقرار وانجازات

أما في دول مجلس التعاون الخليجي فالأمر يختلف جذرياً، لما تتميز به هذه الدول من استقرار وإنجازات اقتصادية وتنموية توفر احتياجات شعبها، وتواكب التطور العالمي في الاقتصاد والإنتاج والتعليم والتكنولوجيا والابتكار، وتمتلك زمام المبادرة محلياً وإقليمياً ودولياً، وتتفاعل بشكل إيجابي مع المجتمع الدولي ومحيطها الإقليمي، فضلاً عن أنها تستطيع السيطرة على أرضها وحماية حدودها، وتحقق إنجازات أمنية واقتصادية واجتماعية، بإشادة المؤسسات الدولية والبحثية، والمؤسسات الأخرى ذات الصلة، وتتخذ قرارات حاسمة وتطبق رؤى إصلاحية، في الوقت المناسب، لتطوير حياة شعوبها إلى الأفضل، وتلقى أنظمة الحكم فيها درجة كبيرة من الرضا الشعبي، وتتمتع بانتقال سلمي وسلس للسلطة، ولا تعاني من المحددات الحادة والخطيرة للدولة الفاشلة.
مقومات النجاح

يرجع نجاح وتفوق دول مجلس التعاون على الدول العربية الأخرى، إلى أسباب عدة، يأتي في مقدمتها تحلي أنظمتها الحاكمة بشرعية الحكم والرؤية الاستراتيجية في الأداء، فضلاً عن الحضور الإيجابي والمؤثر لقادة الدول الخليجية على المستويين الإقليمي والدولي، وامتلاك منهج عملي واضح للتواصل الحضاري مع دول وشعوب العالم، إضافة إلى القدرة على إدارة الأزمات الكبرى وطرح المبادرات، الأمر الذي شهده العالم كله، من خلال النجاح الكبير لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في إدارة أزمة فيروس كورونا وتخطي الإمارات الأزمة بنجاح باهر، ونجاح رؤية الإصلاح للأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي، بصفته قائد عملية الإصلاح والتحول الوطني في المملكة. 

التنمية المستدامة

إضافة لأسباب أخرى لتفوق مجلس التعاون، منها تحلي المواطن الخليجي بثقافة التسامح التي تحميه من الانزلاق إلى التعصب والتطرف والإرهاب، وحرصه مع القيادات على تنفيذ الرؤى الخاصة بتطوير موارد الدولة وتنويع مصادر الدخل، وتبني خطط تنمية مستدامة، من خلال مشروعات ضخمة وكبرى، هدفها تراكمية الثروة والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، والتي ستُحدد قوة الدولة الخليجية المبنية على اقتصاد المعرفة والحوسبة الإلكترونية وتكنولوجيا الذكاء الصناعي، جنباً إلى جنب مع تطور الصناعة والزراعة، بالإضافة إلى عامل آخر مهم، وهو حرص القيادات الحاكمة في دول الخليج على عدم تبديد الموارد، واستغلالها في تأسيس شركات وإقامة مشروعات اقتصادية تغطي كل الخدمات وتوفر السلع التي يحتاجها المواطنون، وهو ما يرفع نسبة الرضا الشعبي عن الحكم في هذه الدول. 

العمل المؤسسي 

يضاف إلى ما سبق، العمل المؤسسي من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي يعد ميزة استراتيجية للدول الأعضاء، إذ جعلها بمنأى عن أحداث ما يعرف بثورات الربيع العربي، فضلاً عن تطور قوة العلاقات البينية على المستوى الأمني والاقتصادي، من خلال قوات درع الخليج، ونمو التجارة البينية بين دول المجلس، وبين هذه الدول والعالم الخارجي. 
واستناداً إلى مؤشرات وأرقام أخرى أكثر دلالة لتوصيف قوة دول مجلس التعاون، مثل مستوى المعيشة ومتوسط نصيب الفرد من الدخل، نجد أن دول الخليج مجتمعة هي الدول الأعلى دخلاً عربياً إذ تقع كل من قطر، الإمارات والكويت، والبحرين، والسعودية، وعُمان على الترتيب ضمن المجموعة الأولىَ لتصنيف البنك الدولي للدول ذات الدخل المرتفع والذى يقدرها بأكثر من 13,205 دولارات، لنصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي. 
وفيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعد من أفضل المقاييس التي تقيس ثروة الدول، لما يعطيه من دلالة عن مستوى عيش مواطني كل دولة، نجد أن دول مجلس التعاون، في مقدمة الدول العربية وفقاً لتقرير عام 2021، حيث تصدرت قطر الدول الأعلى نصيباً للفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط 61.7 ألف دولار، بينما جاءت في المرتبة الثانية الإمارات بمتوسط بلغ 43.5 ألف دولار، وحلت في المرتبة الثالثة الكويت بمتوسط بلغ 27.9 ألف دولار. وجاءت البحرين في المرتبة الرابعة بمتوسط بلغ 26.9 ألف دولار، وتلتها السعودية بمتوسط بلغ 23.6 ألف دولار. في المقابل، وفي المرتبة السادسة عربياً عُمان بمتوسط بلغ 17.6 ألف دولار، فيما حل العراق في المركز السابع عربياً بمتوسط 4.8 ألف دولار، وأتت الأردن في المرتبة الثامنة بمتوسط 4.3 ألف دولار، وجاءت ليبيا في المركز التاسع عربياً بمتوسط 4 آلاف دولار، وجاء السودان في المركز السابع عشر بمتوسط 789.8 دولار، وحل اليمن في المركز قبل الأخير بمتوسط 585 دولاراً، وجاءت الصومال بالمركز الأخير عربياً بمتوسط بلغ 350.3 دولار. 
ختاماً، يؤكد تحليل معطيات الدول الفاشلة، ضرورة ملحة لمواجهة مشكلاتها وأزماتها بآليات سياسية فعالة وقابلة للتحقيق على المستوى القريب والمتوسط، أولى هذه الآليات تدشين مركز إنذار مبكر خاص بدراسة الدول الفاشلة على غرار فرق عمل المخابرات الأميركية، الخاصة بفشل الدولة واللَّا استقرار السياسي، وذلك لمنع نشوب نزاعات أخرى، والمنع الوقائي لها قبل حدوثها، والقيام بجهود مخلصة لتسوية النزاعات القائمة، إضافة إلى إدراج دراسات الدول الفاشلة، خاصةً ما ينطبق منها على بعض الدول العربية على أجندة مراكز الأبحاث العربية والخليجية، اعتباراً أنها تشكل خطراً عليها. يضاف لذلك زيادة وتيرة الشراكات الاستراتيجية من خلال آليات ولجان جامعة الدول العربية لبحث وتنفيذ مشاريع تنموية، ومشاريع إعادة الإعمار من قبل دول مجلس التعاون في الدول العربية التي شهدت صراعات مثل العراق، وسوريا، ولبنان والصومال، وليبيا، والسودان، وذلك للحفاظ على النظام الإقليمي العربي.
* كاتب إماراتي