تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا في إطار سعي سموه إلى تنويع الشركاء الاستراتيجيين لدولة الإمارات، وهي السياسة التي يتابعها سموه منذ بضع سنوات. ويُذكر أنّ الشراكة الاستراتيجية مع روسيا قد دشنت أثناء زيارة سموه عام 2018 لروسيا، ثم زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإمارات في العام التالي. 
وهناك عدد من المتغيرات تفسر تنفيذ هذه الزيارة في هذا التوقيت بالذات. فأولاً، تأتي الزيارة في ظل تصعيد لافت للنظر في الحرب الروسية-الأوكرانية، التي قاربت على إكمال شهرها الثامن، وفي ظل الخطر الجاثم في الأفق ويتعلق باحتمال اللجوء إلى الأسلحة النووية لحسم الحرب. ثانياً، تأتي الزيارة لتؤكد أهمية استقرار سوق الطاقة العالمية، فالإمارات عضو بارز في التكتل الذي تقوده السعودية وروسيا، وتتقاطع مصالحها جميعاً في استقرار سوق الطاقة. ثالثاً، جاءت الزيارة في توقيتٍ دخلت فيه جولة مفاوضات فيينا النووية الثامنة مرحلةً حاسمة، ‏قد تفضي إلى تجديد أو إحياء الاتفاق النووي الإيراني أو قد تتعثر كسابقاتها.
وتحفل قمة سانت بطرسبرغ بالعديد من الدلالات، لعل أهمها بروز دور دولة الإمارات كقوة معيارية normative power، تستهدف الإسهام في تحقيق السلم والاستقرار الدوليين. فقد كان على جدول أعمال القمة وساطة إماراتية لتسوية الحرب الروسية-الأوكرانية، ووقف التصعيد وخفض التوتر، تجنباً لسيناريوهات أكثر خطورة، وفي مقدمتها استخدام الأسلحة النووية في الحرب. وتتمتع وساطة دولة الإمارات بالمصداقية والقبول، ولاسيما أنها ‏حافظت على مسافة واحدة من أطراف الصراع منذ بداية الحرب. كما أن دولة الإمارات عضو غير دائم حالياً في مجلس الأمن الدولي، ما يجعل وساطتها محل تقديرٍ من أعضاء المجلس الآخرين، ويجعل قمة بطرسبرغ والنتائج التي ستتمخض عنها محل متابعة من الجميع.
والدلالة الثانية لقمة بطرسبرغ تتعلق بأن تطوير الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وروسيا، في المجالات الاقتصادية والطاقوية والسياسية والأمنية، لا يتناقض مع الشراكات الاستراتيجية للدولة مع الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الكبرى. وذلك أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات تستند إلى مبدأي التوازن والتنويع، بمعنى أن الدولة تنخرط في علاقات تعاونية مع القوى الكبرى ذات الأهمية بالنسبة لها، ومع الدول الإقليمية الرئيسة ‏وفي مقدمتها تركيا وإيران وإسرائيل.
والحديث عن التوازن يقودنا إلى اهتمام القيادة الإماراتية الرشيدة بأن يكون أي اتفاق جديد أو مجدد عن البرنامج النووي الإيراني متوازناً لجهة أخذ مصالح دول مجلس التعاون الحليجي ومصادر قلقها في الاعتبار. ومن ثم، كان لابد من الحديث مع الرئيس بوتين في هذا الشأن، ولاسيما أن روسيا ترتبط بعلاقة وثيقة مع إيران من جهة، وهي عضو مؤثر في مفاوضات فيينا النووية. 
وأخيراً، وليس آخراً، تدل قمة بطرسبرغ على تنامي القوة الناعمة لدولة الإمارات على الصعيد الدولي، التي تستند إلى دبلوماسيةٍ نشطة تهدف إلى تصفير المشكلات في نظامها الإقليمي والإسهام في تسوية الصراعات الدولية، وإلى نموذج يحتذى به في الانفتاح والتسامح الإنساني والتعايش السلمي بين الأعراق والثقافات، وإلى قيادة سياسية جسورةٍ متبصرة قادرة على قيادة التغيير والقيام بمهام «شبه مستحيلة» لتحقيق السلام الدولي.
*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية