على بعد أسابيع قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها، أمام أحد أهم الاستحقاقات السياسية، والتي سيتجاوز أثرها غالباً تغيير ثلث مجلس الشيوخ وكل مجلس النواب، عطفا على 36 حاكم ولاية من أصل خمسين ولاية.
لا نغالي إن قلنا إنها انتخابات برسم بروفة لانتخابات الرئاسة 2024، وربما لهذا تجاوزت نسبة أموال الدعاية والإعلان، العشرة مليارات دولار، أي أكثر مما تم إنفاقه على حملة انتخابات الرئاسة الأميركية 2020.
لماذا تحظى هذه الانتخابات بمثل تلك الأهمية؟
المؤكد أنها تأتي في وقت تشتد فيه الأزمات الأميركية الداخلية، وتكاد الإمبراطورية المنفلتة أن تنزلق إلى هاوية مواجهة عالمية نووية، وعلى غير المصدق أن يعاود الاستماع إلى حديث الرئيس بايدن، عن معركة هرمجدون، واحتمالات الصدام مع روسيا.
تبدو انتخابات الكونجرس المقبلة وكأنها امتداد للمعركة الرئاسية 2020 والتي لم تحسم بعد في أذهان ملايين الأميركيين، أولئك الذين يؤمنون بأن الرئيس السابق ترامب قد تعرض لخديعة من نوع ما، وأنه جرى بالفعل تزويرها لصالح المرشح «الديمقراطي». تسلم الرئيس بايدن البلاد وهي في حالة اضطراب مجتمعي، وقد كان أحد أهم أهدافه، معالجة الشروخ الاجتماعية، وتطبيب الجروحات السياسية، التي لحقت بالجسد الحزبي الأميركي.
غير أنه ومن سوء الطالع، أخفق في الأمرين معا، بل إلى أكثر من ذلك يقول الأميركيون العارفون ببواطن الأمور، إنه عمّق الفجوة بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»، لا سيما بعد خطابه الأخير، والذي أوحى فيه بتقسيم داخلي، بين الذين معنا، والذين علينا، ما أعاد إلى الأذهان سيرة جورج بوش الابن في أوائل الألفية الحزينة التي بدأت بحادثة، وها هي تكاد تمضي نحو الكارثة.
عطفا على ذلك، تواكب الانتخابات النصفية هذه المرة، أشباح وليس شبح واحد، جميعها تؤرق الأميركيين صباح مساء كل يوم. لعل هاجس الركود الاقتصادي المتوقع، ذاك الذي كثرت من حوله القراءات والاستشرافات، هو أول تلك المخاوف الشديدة، والتي سيصوت الناخبون على ضوئها، فما يهم المواطن الأميركي العادي وليس النخبوي، أوضاعه المالية، قبل أن يلتفت إلى صواريخ القيصر بوتين فرط الصوتية والمجنحة.
أمر آخر متعلق بالأوضاع الداخلية، وارتفاع منسوب العنف، وهو ما حذر منه أكثر من كاتب أميركي من الثقات، أمثال روبرت كاجان، رجل «مشروع القرن الأميركي»، بالإضافة إلى توماس فريدمان رجل العولمة الأشهر، وغيرهم من الذين يتوقعون صراعاً ضارياً بين أنصار الحزبين، وكأن الأمر أشبه ما يكون بحلقة من حلقات الثأر، وقد حان وقت الحساب.
هل الفوز شبه محسوم هذه المرة لـ«الجمهوريين»؟ تقليديا يخسر حزب الرئيس في انتخابات التجديد النصفي، الأمر الذي يعطيه ذريعة أمام الأميركيين، يدافع بها في مواجهة أي قصور سياسي في عاميه الأخيرين، انطلاقا من أن الحزب المناوئ، هو من عطل المراكب السائرة في مياه الحياة السياسية الأميركية. حتى الساعة تبدو حظوظ «الجمهوريين» أقرب إلى تحقيق فوز واضح، وإلحاقهم هزيمة مؤكدة بـ«الديمقراطيين»، وبخاصة في ظل تراجع شعبية الرئيس بايدن، وفقدانه لأي كاريزما في أعين مواطنيه. هل أميركا على موعد مع انتخابات مفصلية غير تقليدية؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك.
* كاتب مصري