اللقاء «غير المرتقب» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة العشرين في نوفمبر المقبل المقبلة في جزيرة بالي بإندونيسيا، وأي لقاء آخر، قد يحدث عرضياً بين الرئيس الروسي وأي رئيس دولة تتبع حلف «الناتو»، لن يُنتج أي تقدم في الأزمة الأوكرانية، والسبب الرئيسي أنه ليس هناك أية أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، فتصبح تلك اللقاءات، حتى لو حدثت، مجرد «بروباغندا» إعلامية و«فرقعات» لن يستفيد منها سوى وسائل الإعلام.

حتى الآن، لم يؤكد الرئيس الروسي موافقته على حضور قمة العشرين، وهذه مساحة كبيرة يمكن أن تترك بقية أطراف الأزمة في حالة انشغال دائم، وهو مخطط استراتيجي مدروس، سبق لكثير من قيادات العالم أن سلكت ذلك المسلك، فهو يفتح شهية وسائل الإعلام للحديث، وللدبلوماسيين بالتصريح، ثم قد تظهر خلال البيانات والتصريحات الكثيرة أفكار جاذبة، تدعو للتعليق عليها، كما قال الرئيس الأميركي مثلاً «إنه لا يستبعد حدوث مثل هذا اللقاء»، والذي يسمح أحياناً بفتح قنوات خلفية للتواصل واستطلاع الرأي، ما يولد مجالاً أوسع للتشاور، لكن على أرض الواقع، هذا أيضاً لا يمكنه بناء أرضية مشتركة.

لم يعد خافياً على أحد جوهر الصراع بين روسيا وحلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة، وأن هذا الصراع المحتدم، قد ساهم بشكل كبير في عدد من الأزمات الأخرى حول العالم، مثل أزمة الطاقة والغذاء والتضخم وغيرها، وأن التصعيد الذي يحدث حالياً حول الغاز بين روسيا وأوروبا من جهة وبين أوروبا وأميركا من جهة أخرى، وكذلك أزمة الدعم العسكري واللوجستي الأميركي والأوروبي للجيش الأوكراني التي دفعت للحديث عن حرب نووية أو تكتيكية أو بيولوجية، لن يتراجع على وقع لقاء هامشي في إحدى القمم، فالأرضيات المشتركة بين الخصوم تحتاج إلى عقلية استراتيجية قادرة على تخطيطها، تتمتع ببعد النظر، وتدرس أبعاد الأزمة وتكون قادرة وجريئة لعمل كبير من هذا النوع، فالعناصر كثيرة والتداخلات لا تُحصى، ومع تعدد الأطراف ومصالحهم يبدو أن مجرد التدخل من بعيد، سوف يزيد المسألة تعقيداً، لحساسيتها الشديدة.

قبل وخلال انطلاق الأزمة الأوكرانية، وحتى هذا اليوم، كانت الولايات المتحدة الأميركية تعلم أنها لن تجد وسيطاً سياسياً يمكنه التدخل بين روسيا والغرب سوى من يمتلك علاقات قوية راسخة على مستويات مختلفة مع موسكو، ويتمتع بالحياد المطلق؛ لذلك سعت واشنطن إلى أبوظبي متأملة أن تلعب دولة الإمارات دوراً في تهدئة التصعيد، كما صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في فبراير 2022، حيث تريد الولايات المتحدة، استثمار تلك العلاقة الجيدة التي تربط دولة الإمارات مع روسيا.

الأوروبيون بدورهم، الذين يعلمون عن قوة ومتانة العلاقات الإماراتية الروسية المتعددة، سواء العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتينة أو التحالف بين البلدين في منظمة «أوبك بلس» لإنتاج النفط، يأملون أن تلعب الإمارات دور الوسيط المحايد الذي يحظى بالمصداقية العالية الموثوقة لدى الطرفين الروسي والأوكراني، فكانت زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله تعالى، الأسبوع الماضي، إلى روسيا بمثابة أول عمل سياسي دبلوماسي استراتيجي عالمي، للبدء ببناء أرضية مشتركة، لحلحلة الأزمة الأوكرانية، وطمأنة الأطراف بأن هناك أملاً لتهدئة التصعيد العسكري من ناحية، وإحراز تقدم حقيقي على الصعيد الإنساني من ناحية أخرى. روسيا، لا تخفي رغبتها الشديدة في تهدئة التصعيد، مقابل شروط معقولة يمكن بحثها، ولا شك في أن أطراف الأزمة الآخرين يعلمون أنه يمكن الوصول إلى «تسوية معقولة» بشأن الطلبات الروسية المتعلقة بزحف «الناتو» نحو الحدود الروسية، ويعلم الجميع أنه من غير المعقول والمقبول أن يستمر هذا التصعيد وينتهي بحرب نووية أو بيولوجية، في ظل تراكم أزمات عالمية أخرى، بدأت تهاجم بقوة شعوب العالم أجمع، وستقضي عليهم، إلا في حال استثمار «الأرضية المشتركة» التي تحاول الإمارات بناءها بعزم وإرادة وتصميم.

قوة ومتانة علاقات الصداقة والشراكة بين أبوظبي وموسكو من جهة، ودولة الإمارات مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، والثقة العميقة والاحترام والتقدير الذي ينظر بها قادة العالم إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، رعاه الله، وبعد زيارة سموه التاريخية إلى روسيا، تشكل اليوم الرسالة الأكثر أهمية بإمكانية فتح الأبواب والقنوات التي من شأنها تخفيف تصريحات التهديد والوعيد وتهدئة التوتر وإيقاف المعارك والبدء بالحوار بين أطراف الأزمة وبناء الأرضية المشتركة الواقعية، سواء في قمة العشرين أو في القريب العاجل، لتحقيق الاستقرار والسلام العالمي.

* لواء ركن طيار متقاعد