يستعد لبنان وإسرائيل لتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، بين 26 و27 أكتوبر الجاري في رأس الناقورة. وتواكب ذلك سلسلةُ مؤشرات إيجابية أعلنها الجانب الأميركي، الراعي لهذا الاتفاق، والذي وصفه الوسيط آموس هوكشتاين بأنه «سيكون فاتحة استقرار أمني على الحدود»، كما وعد بأن يفعل ما بوسعه لكي «يحظى اللبنانيون بـ24 ساعة كهرباء». كما وصفت السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، الاتفاق بأنه «بداية ازدهار اقتصادي»، قائلة إن «المصارف ستسلك طريق التعافي قريباً، والكهرباء ستكون بحالة جيدة».
وتعقيباً على المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئيس اللبناني ميشال عون وهنأه فيها بهذا الإنجاز التاريخي، قال كبير المفاوضين اللبنانيين ونائب رئيس مجلس النواب إلياس أبوصعب: «لقد كان اتصالا مهماً ومطولا، تطرَّق فيه الرئيس بايدن إلى المرحلة المقبلة، ووعد بأن يكون الجانب الأميركي حريصاً على ضمان احترام الجانب الإسرائيلي للاتفاق الموقَّع. وأكثر من ذلك، يضيف أبوصعب، فإن هذا الاتفاق «سيفتح أمام لبنان أفقاً جديداً من الاستثمارات الأجنبية التي تخلق فرص عمل للبنانيين»، مشدداً على أنه «سيسهِّل مهمةَ لبنان مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذلك استقدام الغاز المصري والكهرباء الأردنية، ونحن نعمل على تحقيق ذلك مع الإدارة الأميركية». وهذا مع العلم أن أعضاء في الكونغرس الأميركي قدَّموا مُقترحَ قانون يمنع أي إدارة أميركية من منح استثناءات متعلقة بعقوبات «قانون قيصر»، بما يهدف إلى قطع الطريق على حصول لبنان على الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية.
هل يعني ذلك أن لبنان عاد ليحتل مركزَ الصدارة على لائحة أولويات اهتمام الإدارة الأميركية؟ في رأي بعض المراقبين، ومنهم رجال أعمال ومستثمرون، فإن الأميركيين عادوا إلى لبنان، ولكن هذه المرة بالنفوذ السياسي والاقتصادي والمصرفي والمالي، إضافة إلى اهتمامهم بشؤون الطاقة من نفط وغاز وكهرباء، وإن مسار الأحداث يقود إلى أدوار سياسية وأمنية مختلفة عن السابق، وكلها تحت سقف اتفاق «الطائف»، وفق ما أكده بيان نيويورك الثلاثي الأخير الموقَّع بين أميركا وفرنسا والسعودية، والذي يشكل درعاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً لهذا الاتفاق. 
وإذا كانت واشنطن قد نجحت في «رعاية» مفاوضات الترسيم، فهي ستنتقل إلى دور «الوصاية» على الخطوات التنفيذية، وذلك وفقاً للبنود الواردة في الاتفاق والتي تضمن الوصايةَ الأميركية على أعمال التنقيب والاستخراج. ويفرض الاتفاق على «أي شركة تريد الاستثمار في الغاز والنفط في لبنان، أن تعرف أنها خاضعة للشروط الأميركية ولوصايتها وإشرافها وإطلاعها على المعلومات المتعلقة بأعمالها». كما يؤكد «الوصي» الأميركي على الشركة المشغلة، وهي «توتال» حالياً، أن «لا تكون خاضعة للعقوبات». وهنا يستبعد الأميركيون أي شركة روسية أو صينية، ما قد يعيق جولةَ التراخيص الثانية التي تشمل ثمانية بلوكات في بحرية، وأن لا تكون الشركات إسرائيلية أو لبنانية، ما يَحرم لبنان من حقَّ الحصول على حصة شركة «نوفاتك» الروسية المنسحبة، والتي تنازلت عنها للدولة. ولعل أهم ما في الاتفاق أن «تكون الولايات المتحدة المرجع في تسيير المناقشات بين الطرفين، لحل أي خلافات بشأن تفسيره». 
وإذا كانت إسرائيل قادرة خلال أيام على استخراج الغاز من حقل «كاريش» وتصديره إلى أوروبا، فإن لبنان يترقّب أن تبدأ شركة «توتال» الحفرَ والتنقيب في البلوك التاسع مطلعَ العام المقبل، على أن تضخ الغاز بعد نحو سبع سنوات، تمهيداً لتصديره نحو أوروبا التي ربما تكون في ذلك الوقت ما تزال بحاجة إلى هذه المادة الحيوية الإستراتيجية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاستراتيجية