انتخب حزب «المؤتمر الوطني» أولَ رئيس له من خارج عائلة غاندي، وهو ما يمكن وصفه بالتحول الكبير في الحزب الذي يبلغ عمره 135 عاما. زعيم الحزب في الغرفة العليا للبرلمان «ماليكارجون خارجي» انتُخب يوم الأربعاء الماضي باعتباره أول رئيس للحزب من خارج عائلة غاندي منذ 24 عاما. ويعقب «خارجي» الرئيسةَ المؤقتة «سونيا غاندي»، التي كانت رئيسة للحزب لأكثر من عقدين من الزمن، بينما شغل ابنها «راهول غاندي» المنصب لثلاث سنوات. وكان «راهول» قد استقال من منصبه كرئيس في 2019 عقب الهزيمة القاسية التي مني بها حزب «المؤتمر» في انتخابات 2019 العامة.
عائلة نهرو غاندي تشكّل جزءا لا يتجزأ من حزب «المؤتمر» ومرتبطة بتاريخه ارتباطاً عضوياً. فقد منحت العائلةُ الهند ثلاثة رؤساء وزراء، بمن فيهم أول رئيس وزراء للهند جواهرلال نهرو، وأول امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء في الهند إنديرا غاندي، وأصغر رئيس وزراء في تاريخ الهند راجيف غاندي، والد راهول غاندي. وفي الوقت الراهن، يواجه كل من الحزب وعائلة غاندي أزمةً وسط صعود حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي يحظى بشعبية واسعة. ولهذا، يواجه الرئيس الجديد لحزب «المؤتمر» اليوم مهمة صعبة تتمثل في اجتراح استراتيجية سياسية للتغلب على ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا، الذي اشتهر بكونه دائماً في وضع حملة انتخابية. كما يواجه الرئيسُ الجديد تحدي إعادة إحياء الحزب، الذي تكبّد عدة هزائم انتخابية على مستوى الولايات وعلى المستوى الفيدرالي، مما أدى إلى تضاؤل نفوذه السياسي. إذ خسر في استحقاقين انتخابيين متتاليين في 2014 و2019، وبات يُنظر إليه على أنه غير متناغم مع هند كبيرة الطموحات والتطلعات. 
وفضلا عن ذلك، يواجه الحزب صراعات داخلية في الولايات التي يحكمها، مثل «تشاتيسغار» و«راجستان»، إذ عانى من مغادرة عدد من القياديين، وإحباط الكادر الحزبي، وتمرد 23 قياديا، وفراغ في القيادة. 
وبشكل عام، هيمن حزب «المؤتمر» على الحياة السياسية الهندية حتى صعود حزب «بهاراتيا جاناتا» بقيادة «ناريندرا مودي». ومن جهة أخرى، استخدم الحزب الحاكم مزيجا من الاستراتيجيات والرسائل السياسية بما في ذلك القومية المتعصبة والوطنية وشعبية مودي لتعزيز نفوذه السياسي عبر أرجاء البلاد، وهو ما يطرح صعوبة كبيرة أمام محاولات حزب «المؤتمر» هزم القوة السياسية لبهاراتيا جاناتا. وفي الوقت نفسه، يُطرح السؤال بشأن الطريقة التي يعتزم الرئيس الجديد العمل بها مع «راهول غاندي»، الذي يقوم حاليا بمسيرة مشياً على الأقدام من أجل حشد الدعم للحزب وبثّ الحماس في كوادر الحزب. كما أن هناك أسئلة بشأن ما إن كان «ماليكارجون»، الذي يُعد من الموالين لعائلة غاندي، سيخرج من ظل العائلة أم أنه ستكون هناك مراكز سلطة متعددة. غير أن خارجي لم يترك مجالا للشك في أنه من الموالين لعائلة غاندي من خلال شكره سونيا غاندي على «كل الجهود التي بذلتها» في قيادة الحزب بنجاح إلى فوزين سابقين متتاليين في الانتخابات العامة في 2004 و2009، وراهول غاندي على خوض مسيرة عبر البلاد مشياً من أجل حشد الدعم للحزب. 
واللافت أن زعيمة الحزب المؤقتة سونيا غاندي ذهبت إلى منزل ماليكارجون من أجل تهنئته بدلا من العكس. بيد أن إحدى الإيجابيات الفورية لانتخاب خارجي زعيماً لحزب «المؤتمر» هو أنه يمنح العائلة فرصة للارتياح من هجمات الحزب الحاكم المتواصلة على الامتيازات السياسية والمحسوبية، ذلك أن الحزب الحاكم يركز باستمرار على البدايات المتواضعة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي ويقدّمها في صورة تتباين مع امتياز النسب الذي يتمتع به أفراد عائلة غاندي. والآن سيحاول حزب «المؤتمر» الرد سياسياً، وسيستطيع أن يقول إنه أجرى انتخابات لمنصب الرئيس خلافا لأحزاب أخرى وإنه اتبع العملية الديمقراطية والتزم بها. 
ومن الواضح أن هناك فرصة متاحة لحزب «المؤتمر» حتى وإن كان يواجه مهمة صعبة، ذلك أن الرئيس الجديد للحزب ليس من الوزن الخفيف سياسيا. وعلى الرغم من العداوة، التي بين حزب «المؤتمر» وحزب «بهاراتيا جاناتا»، إلا أن رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» تمنى له «ولاية مثمرة» في رسالة تهنئة بمناسبة انتخابه رئيسا للحزب. والسياسي البالغ 80 عاماً في رصيده خمسة عقود من التجربة السياسية، حيث فاز في تسع انتخابات متتالية لبرلمان ولاية كارنتاكا بين 1972 و2008 وفاز من المقعد البرلماني لجولبارجا في كارنتاكا في 2009 و2014. 
خارجي، الذي ينتمي إلى الطبقة الأدنى في المجتمع الهندي ويعتنق البوذية، يحظى بالقبول بين طبقات مختلفة من المجتمع الهندي ويُنظر إليه على أنه يتمتع بمؤهلات وقدرات في الإدارة وحل المشكلات. ولكن في نهاية المطاف، يظل المحك الحقيقي، هو ما إن كان الحزب سيستطيع ترك بصمته في الانتخابات المقبلة التي ستجرى على صعيد الولايات. كما أن أمام خارجي 18 شهراً فقط لترتيب بيت حزب «المؤتمر» وتشكيل تحدٍّ للحزب الحاكم. وهذه تحديات صعبة جدا حتى مع عدم وجود شك في أن عائلة غاندي تظل نواة الحزب. ذلك أن الموالين لعائلة غاندي يشغلون مناصب أساسية، والعائلة ستظل مهمةً لحزب المؤتمر الوطني لأسباب تاريخية. 

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي