كانت معدلات التضخم التي بلغت أعلى مستوياتها في 40 عاماً، واستجابة البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لرفع أسعار الفائدة بقوة، بمثابة سيف ذي حدين غير مألوف لكل من الشركات والأسر. على أحد جانبي نصل السيف، لديك أرباب عمل تنقصهم الخبرة في أخذ معدل التضخم في الاعتبار عند تحديد التعويض. مع ارتفاع أسعار الفائدة بسرعة كبيرة. وفي ظل احتمال حدوث ركود، قد يبدو من المنطقي تجميد الأجور وخفض ساعات العمل الإضافي وساعات الدوام الجزئي. إن مثل هذه الاستراتيجية ستحمي مَن يُطلق عليهم الموظفون الأساسيون، أو أولئك الذين يعملون بدوام كامل والذين عملوا مع الشركة لفترة طويلة ومن غير المرجَّح أن يستقيلوا في المستقبل القريب.
ومع ارتفاع التضخم إلى هذا الحد، فإن تجميد الأجور يعاد خفضها بنسبة 8%. وهذا يكفي لخلق مشاكل في التدفق النقدي للعديد من الأسر، خاصة تلك التي لا تستطيع تحمّل الديون مع ارتفاع معدلات الائتمان الاستهلاكي بسرعة. ولا يمكنها الاستمرار في العمل من خلال تخصيص وقت إضافي في العمل لأنه يتم تقليل ساعات العمل المرنة. الأسوأ من ذلك أنه كلّما اتجه المزيدُ من الشركات إلى استراتيجيات مثل تجميد الأجور، وتقليل العمل الإضافي لحماية العاملين الأساسيين، قلّت الخيارات المتاحة لجميع الأسر للتعامل مع نقص التدفق النقدي، وكان الموظفون الأساسيون هم الأكثر عرضةً للتضخم الذي يؤدي إلى تآكل مداخيلهم.
وعلى الجانب الآخر من النصل، قد يدرك أربابُ العمل تماماً أن الزيادات الضخمة مطلوبة حتى يتمكن عمالهم الأساسيون من مواكبة ارتفاع تكلفة الضروريات اليومية مثل الطعام والطاقة. ولتحقيق ذلك، قد يقوم أصحاب العمل بتسريح العمال الذين يقعون خارج المجموعة الأساسية. ويسمح القيام بذلك للشركات بتوفير حماية أفضل للأشخاص الذين يرجح أن يظلوا معهم عندما تبدأ الظروف في التحسن. لكن المشكلةَ تكمن في أن حماية العمال الأساسيين من ويلات التضخم ترفع التكلفة لكل عامل بالنسبة للشركات، وهذا بحد ذاته يساهم في التضخم. ويؤدي هذا السيناريو إلى التراجع المخيف عن توقعات التضخم التي يخشاها الاحتياطي الفيدرالي قبل كل شيء. وهذا يعني أنه حتى جعل التضخم يتباطأ قليلاً فقط يتطلب زيادات كبيرة في البطالة؛ لأن هؤلاء العمال الذين ما زالوا يعملون يحتفظون بقوتهم الشرائية.
ويشير جانبَا النصل إلى أن محاولة بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض توقعات التضخم عن طريق الزيادة السريعة في أسعار الفائدة ستؤدي إما إلى ارتفاع حاد ومعدٍ في عدم الاستقرار المالي لأسر الطبقة العاملة أو عدم استقرار توقعات التضخم التي تسببها الشركات. وفي كلتا الحالتين، قد تكون الضربة التي تلحق بأسر الطبقة العاملة أصعب بكثير مما قد يتوقعه أي شخص لأن المستوى المرتفع الحالي للتضخم يخلق تهديداتٍ موازنةً لم نشهدها على الأقل منذ منتصف السبعينيات، عندما كان الاقتصاد يتأقلم مع تضخم مرتفع هيكلياً. في ذلك الوقت، كان حوالي نصف جيل طفرة المواليد من البالغين العاملين بدوام كامل. النصف الأصغر سناً من ذلك الجيل وما تلاه لم يواجهوا تحدي التكيف مع التضخم المفاجئ وغير المتوقع.
لا توجد طريقة واضحة لحل المشاكل الديناميكية ذات الحدين. ومع تفاقم المشكلات، تزداد مخاطر التباطؤ الشديد في حلها. وبدلاً من ذلك، تزداد الآثار الجانبية المحتملة المرتبطة بحل المشكلات بسرعة. من الصعب توقع مكان وكيفية موازنة هذه التأثيرات. اختار بنك الاحتياطي الفيدرالي المسار السريع لرفع أسعار الفائدة، واثقاً من أنه لن يكون هناك تكرار لعدم الاستقرار المالي الذي أعقب الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة التي قام بها ألان جرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بين عامي 2004 و2006، بفضل القواعد واللوائح الجديدة التي جعلت الخدمات المصرفية نظاماً أكثر أماناً.
إنني أؤيد المسار الحالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ولا يساورني شك في أن الضمانات الجديدة جعلت النظام المالي أكثر استقراراً. ومع ذلك، لن أُفاجأ إذا واجه صانعو السياسة قدراً من عدم الاستقرار المالي الذي لم يفكر فيه أحد، لأن التهديدات الجديدة التي تخلقها هذه البيئة التضخمية الجديدة على وجه التحديد هي الأكثر عرضة للتضخم والعدوى إذا حاول الاحتياطي الفيدرالي بسرعة إعادة التضخم إلى المعدل المستهدف.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست سينديكيت»