تمر العلاقات الدولية في الوقت الراهن بمراحل صعبة للغاية بسبب تشابك خيوط المصالح وتزعزع أركان الثقة بين مختلف دول العالم. 
كيف تبحث دولة ما عن موضع قدم لها بين تشابك خطوط المصالح وضعف خطوات الثقة المتبادلة بين طرفي المعادلة الدولية. أيهما أولى في تاريخ العلاقات بين الدول، نسبة الثقة المتبادلة أم خيط المصلحة الرفيعة؟! 
ما الذي يحدد الأولويات، عندما يرتفع صوت الأزمات بين الدول المتجاورة «روسيا وأوكرانيا» مثال، وعلى ضوئه يقع القياس مع خريطة بقية الدول المتجاورة في الحدود والمتلاطمة في النزاعات. 
بين الثقة والمصلحة من يملك القدرة على الإمساك بأرفع خيط للحكمة الدبلوماسية التي تحافظ على شبكة المصالح أقوى من مبادئ الثقة المتبادلة.
فالتأكد من الثقة بحاجة إلى تحقيق دقيق، لذا قيل: ثق ولكن تحقق. ففي الاقتصاد الثقة تقلل من نسبة الخسائر، وفي السياسة تقوي جذور المصلحة البينية.
هناك فروقات جوهرية بين كسب الثقة بين الدول وتحقيق المصالح المشتركة. فالثقة مبدأ، أما المصلحة فلا تعتمد على المبادئ، لذا يرد دائماً في عمق علاقات الدول لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل توجد مصالح دائمة تتأثر بقوة العلاقة أو ضعفها وفتورها وبرودتها. 
من يملك الحكمة الدبلوماسية، يستطيع أن يتعايش مع هذه الأوضاع التي بحاجة كبيرة إلى القدرة على التأقلم. 
والحرب الروسية - الأوكرانية خير مثال راهن على ذلك، أقطاب العالم كلها متشابكة هناك وكلهم لهم مصالح مشتركة، كل على مقياسه ووزنه وقدْره وقدَره. عنصر الثقة هنا يكاد يكون في خانة العدم. في الأمم المتحدة رسمياً حسمت مواقف الأعضاء في ثلاثة مسارات، مختصرها: مع وضد ومحايد، أما ميزان هذه المواقف، فهو بيد المصلحة بعد أن طف ميزان الثقة على الكيل السياسي. 
متى يختل ميزان المصلحة، وهنا واضح، بأن الاقتصاد في القلب منها، وإن سميت بـ«الطاقة»، عندما تدخل السياسة على خط الاقتصاد أفسدته، أو شوهت معالمه. 
بل حولت مسار الحرب إلى حرب «الطاقة» أشد شراسة من الحرب الدموية في الساحة الأوكرانية. فانتقلت الحرب من الميدان إلى ديوان العالم. 
جاء الوقت ليرتفع صوت الدول الكبرى عالياً من شكوى ضيق الحال وغموض المآل، وعجز العقول عن الوصول لحلول عاجلة ومرضية لشعوبها التي خرجت في الشوارع دون الاهتمام لعقود آجلة. 
حتى أميركا التي احتفظت بنفطها لأربعة عقود مضت، فتحت صنابيرها بخمسة عشر مليون برميل يومياً رداً على قرار أوبك لتخفيضها مليوني برميل يومياً من أجل ضبط الأسعار في الأسواق العالمية، وقد أخرج هذا القرار أميركا من طورها ووصفت هذا القرار بأنه «إجراء عدائي» من أوبك. ولم تفكر هنا إلا في مصلحتها إلى درجة الأنانية والاستئثار، بل أكثر من ذلك بتهديد أوبك التي أثمرت على أميركا لعقود عبر استخدام سلاح «نوبك». فإذا استبعدنا عنصر «الثقة» بين الدول، فإن ميزان المصالح المتبادلة بدأ يختل لصالح الدول الكبرى التي تستخدم سلاح حق القوة بدل قوة الحق المشترك بين جميع الأطراف التي تتعقد مصالحها، بل تتعرقل.
* كاتب إماراتي