انتهت القمة العربية في الجزائر، ولم يكن سقف توقعاتي لمخرجاتها عالياً على ضوء عدة عوامل وظروف راهنة، كما أعلم يقيناً أن قراراتها لم ترض آمال الشارع العربي ورغباته. 
وعلى الرغم من أن القمم العربية لم تعد منذ سنوات من الأمور التي تشغل بال المواطن العربي، والذي لم يعد ينتظر منها شيئاً. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نرى ضرورة وأهمية استئناف عقد القمة. فهذا الأمر بحد ذاته يسهم في الحفاظ على العلاقات العربية قدر المستطاع، في ظل التحديات التي تواجه كل بلد عربي على حدة، إلى جانب التحديات الأكبر التي تواجه البلدان العربية كمجموعة واحدة. 
كان العمل العربي المشترك وما يزال طموحنا وإن كان ما يحدث الآن من تطورات وتغيرات تاريخية كبرى يقودنا أحياناً إلى التفكير بأنه لا يلبي الطموحات، وهو ما يكرس الشعور بالتشاؤم من استمرارية ما يسمى الانتماء الوطني والعربي. 
من المهم  بذل الجهود من أجل تدعيم العمل العربي المشترك وتنظيمه وإرساء التوازن في العلاقات العربية - العربية. 
في توقيت مهم للغاية نُظمت القمة العربية في الجزائر ودول العالم بما فيها منطقتنا العربية تعيش مرحلة التعافي من جائحة كوفيد، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية. في ظل كل ذلك لا بد من المضي قدماً في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030، ومواصلة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مختلف الصعد، فضلاً عما تواجهه المنطقة من تحديات إقليمياً ودولياً، من دون أن ننسى بالطبع أن الصراعات والأزمات العربية لا تزال مستمرة في عدد من الدول، وخصوصاً سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في العراق ولبنان والسودان، بالإضافة إلى التحديات المتمثلة في تزايد التدخلات بشؤون دول المنطقة وتغذية الصراعات والأزمات عبر المدخل الطائفي. 
ولأن الدول العربية لا تعيش بمعزل عن العالم، ولأن كل ما يحدث فيه يلقي بظلاله على حياتنا اليومية وخططنا المستقبلية ومشاريعنا التنموية، فإن الحرب الروسية-الأوكرانية اليوم تؤثر سلباً علينا كعالم عربي، ولا سيما في مجال أمن الطاقة وأمن الغذاء في ظل اعتماده على استيراد الحبوب والأسمدة من روسيا وأوكرانيا بأسعار مرتفعة عالمياً. وهذا الوضع ينذر بشح كبير في الغذاء، ويهدد بوقوع مجاعات في بعض الدول، كما أن دولاً أخرى بدأت تعاني من التأثيرات المباشرة لهذه الحرب بسبب تقلب أسواق الطاقة وزيادة التضخم إلى مستويات قياسية، وما قد يسببه ذلك من قلاقل اجتماعية وزعزعة في الأوضاع السياسية والأمنية، والوعي بتلك التحديات يفرض على العمل العربي المشترك أن يكون جاهزاً لتخفيف هذه الضغوطات وتخفيف حدة الاحتقان في الشارع بسببها.
لقد قطعت القمة الأخيرة خطوات مهمة في الملفات الاقتصادية التي عرضت على جدول أعمالها مثل استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإقامة الاتحاد الجمركي العربي، وإشكاليات الاقتصاد غير الرسمي، مع طرح الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي وآلية معالجة التحديات الضريبية الناشئة عنه، فضلاً عن التعاون الفضائي العربي، والأمن الغذائي والتنمية الزراعية العربية المستدامة، وتحسين الإنتاج والمحافظة على الموارد الطبيعية، وقد يدعو للتفاؤل أن العالم العربي يتمتع بموارد طبيعية وفيرة، ولديه مساحات شاسعة للزراعة، ويتمتع بموقع جغرافي متميز جعله يؤثر في الاقتصاد العالمي، ومحل اهتمام إستراتيجي وأمني لدول عديدة، كما بدأنا نشهد تطورات بعدم الاعتمادعلى اقتصادات الموارد الطبيعية والسعي للتطور التكنولوجي، وأتمنى أن تتواصل تلك الجهود لنصل إلى المستوى المطلوب.
أعلم أن شعوبنا تتطلع إلى القمة بآمال وطموحات كبيرة، لكن علينا أن نكون واقعيين، وفي هذه المرحلة يكفي أن نحافظ على التضامن العربي، وندرك مدى حاجتنا لوحدة الصف، إذ لا يمكن لدولة عربية بمفردها مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية دون دعم ومساندة من باقي الأشقاء، مع الإقرار بأن الأمر يستلزم تهيئة البيئة العربية وتسوية الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية وإنهاء الانقسامات وتوحيد الرؤى وتنسيق المواقف لمواجهة الأخطار والتحديات.