لا زالت الوساطة التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا لإنهاء الحرب الضروس الجارية بين الطرفين مستمرة على قدم وساق، ويتولى أمرها مباشرة حضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه.
وقد قام ضمن هذا الإطار بزيارة رسمية إلى روسيا التقى خلالها بالرئيس الروسي، وقام بالاتصال الهاتفي بالرئيس الأوكراني.
وتشير الاستجابات الإيجابية الأولية والدلائل إلى قبول الدولتين المتحاربتين بهذه الوساطة الحميدة وترحيبهما بها.
ويأتي ذلك مما لدولة الإمارات من صداقة وطيدة ومصالح مشتركة مع الطرفين، وإلى أن من يتولى أمر عملية الوساطة هو حضرة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، الذي تربطه علاقات صداقة وود مع رئيسي الدولتين. وهذه الوساطة الحميدة ليست بالأمر الغريب على دولة الإمارات، فهي جزء أصيل وراسخ في سياستها الخارجية وفي تعاملها مع بيئتها الخارجية على الصعيد العالمي، وتنبع من مبادئها الراسخة وتعاونها مع كافة دول العالم في أوقات السلم والحرب، وحرصها الشديد على تحقيق السلام والأمن في كافة بقاع الأرض.
الإمارات منذ تأسيسها وبروزها على الساحة العالمية كدولة مستقلة ذات سيادة، عضو في المجتمع الدولي وضعت لنفسها فكراً ومنهجاً متطوراً ومستمراً لدعم السلام العالمي وتحقيق الأمن والأمان لكافة شعوب المعمورة، مركزة في أدوارها الخارجية على مبادئ أساسية ثابتة خطتها لنفسها مستمدة من إيمانها العميق بالحاجة إلى حماية البشرية جمعاء من ويلات الحروب وحفظ العالم من الدمار، الذي يمكن أن تتسبب له فيه تلك الحروب، والسعي الدائم والمتصل لإيجاد الحلول السلمية للمشكلات التي تقع بين الدول من خلال المفاوضات السلمية.
وفي هذا السياق، دولة الإمارات لديها الكثير من الإمكانيات التي تؤهلها للعب دور الوساطة في هذه الحرب، وهي تستطيع الاعتماد على عناصر قوتها الناعمة التي تمتلكها بكل اقتدار متمثلة في قوتها الاقتصادية والسياسة أولاً، وسمعتها الدولية النقية ثانياً، ثم على مقوماتها الأخرى والظروف الإقليمية والعالمية المواتية التي تعيشها وتحيط بها في عصرها الذهبي الحالي.
إن هذه القوة الناعمة التي تمتلكها دولة الإمارات حالياً تعتبر موجهات عملية لسياستها الخارجية وتعاونها الدولي مع كافة دول العالم، وتتمثل في مجموعة من الأدوات التي تتلخص في القوة والإمكانيات الاقتصادية والمالية؛ ووجود مجموعة من الدبلوماسيين الأكفاء المدربين جيداً في مهارات التفاوض والوساطة الدولية؛ وفي تسخير وسائل الاتصال والإعلام لإيصال الأهداف والنوايا والقدرات إلى الأطراف صاحبة الشأن؛ والاستعانة بالقوانين والمنظمات الدولية كعوامل مساندة ومساعدة.
إن هذه جميعها أجزاء متراصة، وهي لا تتجزأ ولا تنفصل عن القوة الناعمة التي يمكن لدولة الإمارات أن تستخدمها بكل اقتدار وسهولة ويسر في وساطة الحالية بين روسيا وأوكرانيا.
وقبل الخوض في تفاصيل كيفية الشروع في الوساطة، لا بد من التنويه بأننا لسنا بمعرض الحديث عن الدوافع والمسببات التي حدت بالطرفين لخوض هذه الحرب سواء السياسية أو العسكرية أو الاستراتيجية أو الاقتصادية، أو حتى الفكرية، فهذه مسببات ليس من السهل الخوض فيها. دعوني أشير إلى أنه من مصلحة دولة الإمارات، ومصلحة العالم أجمع، استخدام السياسة الخارجية والقوة الناعمة للتوسط في هذه الحرب الشعواء التي تحتاج إلى تدخل العالم لإيقافها، لأنها خطر حقيقي على السلام العالمي وعلى أمن البشرية جمعاء، خاصة في ظل محاذير وقلق شديد من أن تتحول إلى ما هو أسوأ من حرب بين دولتين وأن تصبح نواةً حقيقية لحرب عالمية ثالثة تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل من كيميائية وجرثومية ونووية وقنابل قذرة إلى جانب ما يتم استخدامه فيها فعلياً من أسلحة تقليدية متطورة يقوم الطرفان بإجراء التجارب على استخدامها. وللحديث صلة.
* كاتب إماراتي