كنتُ قد أشرت في أكثر من مقال على صفحات «الاتحاد» إلى بعض مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. وأذكر بالتحديد مقالاتنا عن «دولة معيارية في التغيرات المناخية» (9 نوفمبر)، «مصر والإمارات: نموذج للعلاقات العربية-العربية» (26 أكتوبر)، «مضامين قمة بطرسبورغ ودلالاتها» (12 أكتوبر)، و«مضامين تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية».

ولكن لا يُفتى و«قرقاش» في المدينة. فقد وضح بجلاء معالي الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، المبادئ الثمانية التي تشكل أساس السياسة الخارجية الإماراتية، وذلك في كلمته الرئيسة في افتتاح «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي التاسع»، الذّي نظمه مركز الإمارات للسياسات، يومي 14-15 نوفمبر الجاري، وحضره نخبة من الخبراء والمتخصصين الدوليين، وصُناع القرار من داخل الإمارات وخارجها. تستند سياسة الإمارات الخارجية إلى مبادئ ثمانية، مُستقاة من وثيقة مبادئ الخمسين، وهي المرجع لجميع مؤسسات الدولة في مرحلة الخمسين الثانية أو مرحلة الانطلاق التي يقودها باقتدار رئيس الدولة.

ويتلخص المبدأ الأول للسياسة الخارجية الإماراتية، وهو مبدأ مباشر وواضح، في تعزيز الأمن الوطني وحماية المصالح الوطنية، عن طريق المزاوجة بين استراتيجيتي الاعتماد على الذات (بناء قدرات دفاعية فعالة) والتحالف (تعزيز القدرات الدفاعية بمشاركة حلفائنا الدوليين وخلق شراكات مع شركاء أمنيين لاحتواء التهديدات).

أما المبدأ الثاني، فهو مركب إلى حدٍ كبير، ويتمثل في خدمة الاقتصاد عن طريق دعم الازدهار الاقتصادي طويل الأمد، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتنويع رؤوس الأموال، وتطوير القوة الناعمة للدولة. وطبقاً للمبدأ الثالث، تستند السياسة الخارجية للدولة على اقتراب متعدد الأطراف، كونه كفيلاً بتحقيق استقلاليتها وهدفها الغائي (صيانة الأمن الوطني).

ويرتبط بالمبدأ الثالث كل من المبدأين الرابع والثامن. فالمبدأ الرابع يشير إلى تنويع الشركاء على المستويين الدولي، ولاسيما القوى الكبرى، والإقليمي، وخاصة مع دول مجلس التعاون ودول المحيط الجغرافي، في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية. أما المبدأ الثامن، فيعلي من شان التعاون الدولي المشترك، عن طريق متابعة الدولة لدور فعّال في المنظمات الدولية.

ولعمري إن المبدأ الخامس، وهو نسخة طبق الأصل من المبدأ الثامن في وثيقة الخمسين، يدشن أساساً قيمياً للسياسة الخارجية الإماراتية، وهو سنة محمودة فريدة في العلاقات الدولية. وهذه القيم هي الاعتدال والتسامح والانفتاح، وهي القيم التي تؤسس للصورة الخارجية للدولة.

أما المبدأ السادس، فيقيم علاقة ارتباطية بين الأمن الوطني والأمن الإقليمي، وهو نسخة طبق الأصل من المبدأ الخامس في وثيقة الخمسين، حيث يُشير إلى أهمية إنهاء التصعيد في منطقةٍ تُصور بأنها أكثر مناطق الاضطراب في العالم، عن طريق دعم وسائل التسوية السياسية للصراعات والأزمات والانقسامات الإقليمية.

وبالإضافة إلى كون معارضة أيديولوجيات العنف والتطرف جزءاً أساسياً من المنظومة القيمية للسياسة الخارجية الإماراتية، يؤكد المبدأ السابع على مواصلة دولة الإمارات دورها البارز في محاربة التطرف وما يفرزه من أعمال عنف وإرهاب، ومتابعة مشاركتها الإيجابية على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتحقيق هذا الغرض.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية