بعد نجاح مصر في استضافة مؤتمر المناخ العالمي، (كوب 27)، وانتقال الشعلة إلى الإمارات العربية المتحدة لإكمال المسيرة، يعن للكثيرين التساؤل:«هل سيقدر للكنانة، أن تساهم كذلك في تهيئة الأجواء لحالة من السلم العالمي، بعد أن تهددت المواجهات النووية الجميع، سيما بعد المواجهات الروسية – الأوكرانية، والتي عادت بموسكو وواشنطن إلى مربع أسخن بمراحل، مما شهدته المواجهة بينهما على الصعيد النووي، في زمن الحرب الباردة؟
المعروف أنه في الفترة من 29 نوفمبر الجاري، وحتى 6 ديسمبر المقبل، سوف تشهد العاصمة المصرية القاهرة، أولى اجتماعات اللجنة الاستشارية الروسية الأميركية بشأن معاهدة «ستارت» للأسلحة النووية.
تعود بنا المعاهدة التي تم إعادة توقيعها عام 2011 إلى دائرة الخطر النووي المهلك الذي تهدد العالم منذ اكتشاف قوة الذرة، وتسخيرها في الأعمال العسكرية، وقد خبرت البشرية مدى فظاعتها في هيروشيما ونجازاكي، نهاية الحرب العالمية الثانية، مع الأخذ في عين الاعتبار البون الشاسع بين تلك القنابل في شكلها الأولي، وما هو قائم في ترسانتي الروس والأميركيين في أوقاتنا الحاضرة، ومدى الضُر الذي يمكن أن يصيب كوكب الأرض ومن عليه من زرع وضرع، حال تم استخدامها مرة ثانية.
أطلقت المواجهة الروسية – الأوكرانية، الكثير من المخاوف، من مواجهة نووية، وسواء بدأ الأمر باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، أو ساءت الأحوال وتم اللجوء إلى الأنواع الإستراتيجية منها، تلك التي لا تبقى ولا تذر. من هنا تبدو موسكو وواشنطن، حريصتان كل الحرص، ورغم التهديدات المبطنة باللجوء إلى هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل، على عدم الوصول إلى تلك العتبة النووية، إيمانا واعتقادا منهما، أنها معركة خاسرة لكل الأطراف، ولا منتصر فيها أو مهزم. على أن علامة الاستفهام المثيرة لماذا اختيار مصر على وجه التحديد؟
غالب الظن أن الشرق الأوسط، ودول الخليج العربي، تبدو بعيدة بدرجة كبيرة عن الانحياز إلى أي طرف من الأطراف، ولهذا فإن مصداقيتها ستكون أكثر بكثير من الموقع التقليدي لتلك اللقاءات والتي كانت تجري في جنيف، التي انحازت مؤخرا إلى المشهد الغربي، وتشارك الآن بقية الدول الأوروبية في العقوبات الموقعة على روسيا الاتحادية، بعد الحرب في أوكرانيا.ما الذي تسمح به تلك المعاهدة على وجه التحديد؟
عام 2010، تم التوقيع على معاهدة «ستارت الجديدة»، في العاصمة التشيكية براغ، وقد كانت آخر اتفاق كبير بين الجانبين، حيث تقيد المعاهدة كل دولة بحد أقصى حيازة عدد لا يزيد عن 1550 رأساً حربية نووية، و700 صاروخ وقاذفة قنابل، عطفا على تضمنها عمليات تفتيش شاملة للتحقق من الالتزام بذلك.
والمعروف أن سريان تلك المعاهدة الجديدة، سوف ينتهي في عام 2026، وهنا فإن عدم التوصل إلى معاهدة جديدة، أمر يفتح الباب وبقوة أمام اضطراب عالمي، على صعيد الأمن الكوني الجماعي.
المهتمون بشؤون التسليح العالمي، يعرفون إلى أي مدى جرى تطوير أسلحة نووية. لدى الطرفين، سابقة في قوتها وقدرتها ما كان حاضرا في الترسانتين المخيفتين من قبل، وعليه تبدو أهمية لقاءات القاهرة القادمة.
والشاهد، أنه سبقت لقاءات القاهرة، أدوار وساطة ناجحة لكل من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، على صعيد ما يتعلق بتبادل الأسرى بين الجانبين الروسي والأوكراني، ما يعني أن الشرق الأوسط يعود من جديد إلى سماء الحياة السياسية الدولية، وبات يشارك بفاعلية في البحث عن السلم العالمي ويصنعه ما أستطاع إلى ذلك سبيلا.
* كاتب مصري