حققت الاقتصادات الخليجية من بين اقتصادات قليلة معدلات نمو مرتفعة يتوقع أن تصل إلى 6.5% وفق آخر تقرير لصندوق النقد الدولي، في الوقت الذي تعاني فيه معظم اقتصادات العالم، إما من ركود أو من معدلات نمو تقل عن 1%، وذلك باستثناء بعض الاقتصادات الناشئة، كالصين والهند والتي حققت نسب نمو معتدلة.
وللوهلة الأولى سوف تتجه الأنظار إلى أسعار النفط المرتفعة باعتبارها السبب الأول والمباشر لنسب النمو المرتفعة التي حققتها الاقتصادات الخليجية، لكن الأمرَ ليس كذلك، فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية، بدليل أن بقية الدول المنتجة للنفط لم تصل إلى نفس نسب النمو المرتفعة في العام الجاري.
وبالتأكيد كان لارتفاع أسعار النفط دور مهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي لكافة الدول النفطية، بما فيها دول الخليج العربي، إلا أنه بالإضافة إلى ذلك اتبعت دول المجلس سياسات اقتصادية أثّرت في زيادة معدلات النمو وفي تنوع مصادر الدخل القومي، وذلك بالإضافة إلى الاستقرار الذي تتمتع به والذي يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية.
وسنتطرق هنا إلى أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع معدلات النمو الخليجية والتي تميزها عن بقية الدول النفطية، إذ التزمت دول المجلس بسياسات مالية مرنة، وذلك رغم العوائد المالية الكبيرة التي نجمت عن ارتفاع أسعار النفط والتي قدرها صندوق النقد بـ100 مليار دولار، إذ وجه جزء من العائدات لقنوات استثمارية في مجالات حيوية، كالطاقة المتجددة والنقل والخدمات اللوجستية والبنى الأساسية وتنمية قطاعات واعدة، كالقطاع الصناعي والقطاع السياحي والقطاع المالي، وهو ما رفع مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي وفي زيادة معدلات النمو، حيث يختلف هذا التوجه الجديد عن السياسات المالية السابقة التي أدت إلى زيادة الإنفاق الجاري أثناء فترات ارتفاع أسعار النفط، وهو توجه مهم لا بد من المحافظة عليه وتعزيزه، خصوصاً وأنه نجم عنه الإعلان عن تنفيذ العشرات من المشاريع التنموية الحديثة والتي سيكون لها شأن كبير في تنمية الاقتصادات الخليجية.
وبفضل جهودها الكبيرة تمكنت دول المجلس من تجاوز تداعيات العامين الماضيين بسرعة قياسية، مما أدى إلى استعادة القطاعات الاقتصادية، بما فيها النقل والسياحة، معدلات أنشطتها السابقة، بل وتجاوزتها في بعض القطاعات، في حين ما زالت الإغلاقات تؤثر بصورة سلبية في بعض الاقتصادات الكبيرة التي لم تتمكن حتى الآن من محاصرة الجائحة وتداعياتها.
وفي هذا العام شهدت دول المجلس أنشطة عديدة ذات طابع دولي، جذب إليها استثمارات كبيرة واستقطب ملايين الزوار ورجال الأعمال، كإكسبو 2020 دبي الذي استمر حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، والأنشطة والفعاليات والمؤتمرات ذات الطابع العالمي في كل من السعودية والإمارات، بالإضافة مونديال قطر 2022.. حيث أثبتت كافة هذه الأنشطة القدرات الهائلة لدول المجلس في مجال الإدارة والتنظيم، وهو ما سيؤدي إلى استقطاب المزيد من هذه الأنشطة التي أبهرت العالم وساهمت مساهمةً كبيرةً في إظهار دول الخليج والعالم العربي بشكل عام بمظهر الدول المتحضرة والراقية، إلى جانب مساهمة هذه المناسبات الدولية في تطوير البنى الأساسية وزيادة معدلات النمو.
وعمدت دول المجلس في هذا العام إلى استغلال عائدات النفط الإضافية لتقوية صناديقها السيادية وزيادة دورها التنموي المحلي والخارجي، وهو توجه ذو أبعاد مستقبلية مهمة وسيساهم في زيادة عائدات هذه الصناديق وتقوية الأوضاع المالية لدول المجلس.
وإلى جانب ذلك تمتعت هذه الدول باستقرار أوضاعها الأمنية والسياسية، رغم الاضطرابات والحروب الإقليمية والعالمية، وهو نجاح يسجل لها، خصوصاً وأنها قاومت بشدة محاولات جرها لبعض هذه الصراعات وتبنت موقفاً محايداً أكسبها احترامَ العالَم وأتاح لها انتهاج سياسات التوسط وقبولها كوسيط نزيه خفف من حدة التوترات في هذه الصراعات والحروب والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية الناجمة عنها، مما يعني أن مجمل هذه التطورات في عام 2022 سيعزز من الأرضية التي ستتيح لدول المجلس تحقيق المزيد من التقدم والتنوع الاقتصادي في العام القادم 2023. 
 
*خبير ومستشار اقتصادي