تقول ديانا بيكاسو عن جدّها الرسام العالمي بابلو بيكاسو: «كان جدّي يؤمن بالخرافات بشدّة، وكان يحتفظ في المنزل أو المرسم بخصلات شعر، وأظافر مقطوعة ملفوفة في قطع من الحرير، وعليها تواريخ محدّدة.. كما كان ضدّ أن يُوضع الخبز مقلوباً على المائدة، أو أن يتم فتح مظلّة المطر داخل المنزل».
ولد الرسام الإسباني العالمي بابلو بيكاسو عام 1881 ورحل عام 1973، بعد أن قدّم أكبر إنتاج في تاريخ الفن، عبر أعماله العديدة التي أبدعها في قرابة الثمانين عاماً.
في عام 1939 جعلت مجلة «التايم» صورة بيكاسو غلافاً لها، وفي عام 1963 تأسس «متحف بيكاسو» في برشلونة، وفي عام 1985 تأسس «متحف بيكاسو» في باريس.. وقد خصصت اليونسكو جائزة «ميدالية بيكاسو» في مئويته عام 1981، ويتم منحها لكبار المبدعين. 
كانت بدايات بيكاسو تشير إلى مبدعٍ قادم، إذْ تروي والدته أَّنهُ تعلم الرسم قبل الكلام، وأنه نطق كلمة «قلم رصاص» قبل أن ينطق كلمة «أمي»!
لم يحمل بيكاسو اسم عائلة والده «رويز» على الرغم من أن والده كان رساماً كبيراً، وأستاذاً في كلية الفنون الجميلة، وفضّل على ذلك أن يحمل اسم عائلة والدته «بيكاسو».
تنحىّ الأب عن المجال، وأفسح المجال لابنه الذي تفوق عليه، ليبدأ بيكاسو رحلة المعاناة والمجد. كانت ذروة المعاناة في باريس، حين اضطر لحرق العديد من أعماله داخل الغرفة من أجل التدفئة، ثم حين جرى التحقيق معه كمشتبه به، في حادث سرقة لوحة الموناليزا من متحف اللوفر عام 1911. وأمّا حقبة المجد فقد استمرت إلى ما بعد رحيله.. حيث تباع لوحاته بعشرات الملايين من الدولارات.
على الصعيد السياسي.. كان بيكاسو شيوعياً، حصل على جائزة ستالين عام 1950، وجائزة لينين عام 1960، وكان ضدّ تدخل الولايات المتحدة في الحرب الكورية 1951.. وظل شيوعياً طيلة حياته. وعلى الرغم من عدم إيمانه.. فإنَّه استخدم رموزاً مسيحية في بعض أعماله. 
يربط المثقفون بين اسم بيكاسو والمدرسة التكعيبية في الفن، وهي المدرسة التي كان له الدور الأكبر في تأسيسها. وتدور أطروحاتها حول هندسيّة الجسد، واستخدام الهندسة ولا سيما المكعبات.. التي تشير بأضلاعها الستّ إلى الكمال، في الأعمال الفنيّة.
قد لا أكون واحداً من المعجبين بأعمال بيكاسو، وإنني لأجدُ غرابة شديدة في معظم أعماله، ولا يمكنني المضىّ وراء النقاد والأثرياء في تثمين أعماله كلها، ثم إن قدرتي - وربما قدرة كثيرين غيري - على استيعاب الخطوط الحادّة، والأشكال الهندسية الصارمة، وتحطيم الواقع وربما إلغائه.. من أجل مزاج خاص، وتصور إبداعي شخصي.. لا تزال قدرّة محدودة.
إن أكثر المفارقات إثارة في أعمال بيكاسو، هو ذلك الرقم المذهل الذي بيعت به لوحته الشهيرة «المرأة الجالسة قرب النافذة» في مزاد بمدينة نيويورك.. والذي تجاوز الـ(100) مليون دولار!
يبدو الأمر درامياً إلى حدٍّ كبير، فالرجل الذي أحرق لوحاته من أجل التدفئة، تباع إحداها بما يعادل ميزانية عدة جامعات أفريقية، والرجل الذي يرسم لوحاتٍ غريبة الأطوار كصاحبها، يتسابق المتخصصون لاقتنائها.. والشخص الذي يؤمن بالخرافة والدجّل، تجري الحفاوة بدراسته في أرقى أكاديميات الفنون!
واليوم.. فإن الانقسام لايزال حادّاً بين من يرونه جديراً بهذا المجد، وبين من يرونه فوضوياً.. قام بقيادة ذوق العالم.. إلى الغرابة واللامعقول.

* كاتب مصري