تتجه الحرب الروسية الأوكرانية في بدايات عام 2023 إلى مسارات جديدة تتعلق بالتوجه الروسي الراهن، واستمرار الخيار العسكري، وعدم وجود ما يلوح في الأفق بأي خيار تفاوضي، مما يؤكد أن دول حلف الناتو والولايات المتحدة - وبرغم تضررها الكبير اقتصاديا واستراتيجيا - إلا أن كل أطراف المعادلة السياسية ما زالوا في مواقعهم، ولم يقدموا أية مؤشرات يمكن أن تشير إلى التوصل لنقطة توازن حقيقية قد تؤدي إلى بدء التفاوض فالجانب الروسي ما زال متأثرا بالمشهد السياسي الداخلي الأمر الذي انعكس علي إدارة المشهد العسكري، وعلي سير العمليات الراهنة، والتي يخطط لها الجيش الروسي في الفترة المقبلة حيث طلب الرئيس بوتين من قادة العمليات الإعداد للانتقال إلى (الخطة باء)، أي المرحلة التالية من المواجهة، والاستعداد لإعادة ترتيب السياسات الهجومية في إشارة لها مغزاها في الفترة المقبلة خاصة، وأن هناك تباين في المواقف داخل المؤسسة العسكرية حول مسارات ما يجري، وكيفية التعامل معه ففريق من القيادات، وهو –الأبرز- يرى الاستمرار في المواجهة برغم تداعيات العملية العسكرية في ظل التصعيد الأميركي الغربي، ورفض المتطلبات الروسية لبدء التفاوض، وهو ما لم يحدث بعد وفي ظل تبعات سياسية مكلفة ووضع اقتصادي مأزوم، وهو ما يدركه الرئيس بوتين برغم الاتفاق على الأهداف الروسية الكبرى في البلقان، ولهذا ستمضي روسيا في خيارها العسكري إلى أن يتم التوافق مع الغرب، وإلى أن يتم ذلك ستظل روسيا تتحرك في دوائر محددة مع استمرار النهج العسكري، وإعادة بناء تحالفاتها الكبرى، وإحياء دور منظمة الأمن الجماعي، والانطلاق نحو بناء شبكة تحالفات كبيرة تضم الدول الحليفة مع إعادة تمتين علاقاتها بالقوي الرئيسة مثل الصين وإيران في إشارة لن تجيب عن الجانب الأميركي بأن روسيا تتجه لبناء استراتيجية قائمة علي تعدد أقطاب النظام الدولي، ووفق متطلبات أمنية وسياسية محددة، ومقابل هذا التيار في روسيا، فإن هناك من ينادي بضرورة حسم المواجهات في الأشهر الأولى من العام، ودفع الجانب الصيني للعب دور الوسيط المباشر، وإجراء ترتيبات أمنية، ولو من جانب واحد حال عدم التوصل لأي اتفاق مع الجانب الأوكراني على أن تشمل التوافقات الجانب الغربي ممثلاً في حلف «الناتو»، وأيضا مع الولايات المتحدة، مع تهيئة الأجواء لبناء موقف مصلحي يراعي المتطلبات الأمنية والإستراتيجية منعا لتأثيرات ما يجري على الداخل الروسي، واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية.
في المقابل فإن أوكرانيا ستتحرك في مساحات كبيرة من المناورة، والاتجاه إلى تمتين علاقاتها مع الولايات المتحدة ودول الناتو، والعمل على إعادة بناء قدراتها العسكرية، والحصول على متطلباتها العسكرية خاصة من أنظمة الدفاع، ونظم التطوير الاستراتيجي التي تعمل على الجبهات الممتدة، وبرغم شكوى أوكرانيا من أن الدعم العسكري ليس بكاف، وأنها تحتاج إلى مزيد من الدعم إلا أن الأمر ليس سهلا، وتتحرك من خلاله دول «الناتو» في ظل حسابات ضيقة للغاية تخوفاً من أي رد روسي مفاجئ، أو امتداد المواجهات إلى أراضي «الناتو»، وهو مكمن الخطورة التي تضعها دوله في أولويات تحركها لدعم أوكرانيا خاصة وأن أوكرانيا رفضت التفاوض وفقاً للشروط الروسية وتمادت في طرحها السياسي، والاستراتيجي.
الواقع أن التحرك الأوكراني يتم على مسارات متعددة، لكن أخطرها الرهان على التسليم بالموقف الروسي الراهن، والذي لديه خيارين إذا استمر الموقف الأوكراني على ما هو عليه الأول: التحرك نحو تطوير العملية العسكرية وتحويلها لعمل عسكري شامل، ومحاولة الاتجاه للهجوم على كييف، والثاني: الدخول في مفاوضات من أعلى مع الجانب الأميركي خاصة أن الولايات المتحدة – وبرغم تأكيدها إلى أنها لن تفاوض باسم أوكرانيا – إلا أن شواهد عدة تؤكد عكس ذلك، وأن التوصل إلى نقطة تفاوض قائم.
سيكون عام 2023 عام الحسم للأزمة الروسية الأوكرانية، وإن كانت التوقعات ستمضى في سياق تأكيد المصالح الكبرى لكل طرف وأن سلم التنازلات قد بدأ، ولا يمكن تجنبه في أي سيناريو محتمل للتهدئة أو التصعيد.
* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية