مشكلة مصر الاقتصادية الحالية ذات شقين أساسيين: اقتصادي ومالي. وخبراء مصر الاقتصاديون يطرحون حلولاً لها من زاويتين: فيرى فريق منهم أن يتم التركيز على الجوانب المالية أكثر من الجوانب الاقتصادية، وهؤلاء يهتمون بعجز الميزانية العامة للدولة وميزان المدفوعات، في حين أن فريقا آخر ينظر إلى المشكلة من زاوية أن اختلال التوازنات المالية يعود إلى اختلال التوازنات الاقتصادية في المجتمع المصري ذاته كاختلال التوازن بين الاستهلاك والادخار وبين الاستثمار ذي العائد والاستثمار غير المنتج، وبين الاستثمار الصناعي والاستثمار الزراعي، إلى غير ذلك من القضايا الجوهرية التي يوجد للمجتمع بكامله دخل فيها، وليس ما تقوم به الدولة وحدها من إجراءات وما ترسمه من سياسات.
هذه الأنماط يطلق عليها بعض الخبراء مسمى «الأنماط العينية»، هي عبارة عن توازنات تعكس في معظم الأحيان تعقيدات وتغييرات مالية ونقدية تؤثر على الميزانية العامة للدولة وعلى عملتها الوطنية.
الحديث عن الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد في مصر طويل ومتشابك من نواحي أسبابها وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لها، فالعديد من الخبراء الاقتصاديين في داخل مصر وخارجها لديهم العديد من الرؤى الواضحة حولها، لكن المعضلة قائمة ومستمرة وتزداد سوءاً وتفاقماً عاماً بعد عام.
ويعتقد فريق منهم بأن خفض الاستهلاك هو الحل، ويتأتى ذلك عن طريق رفع أسعار السلع الاستهلاكية. لكن معارضيهم يعتقدون بأن ذلك يؤدي إلى تحمل أصحاب الدخل المحدود أو ما يسمى بالطبقة الوسطى الدنيا، وحدهم أعباء خفض الاستهلاك، وهؤلاء يشكلون أغلبية الشعب المصري التي تعيش عند حد الكفاف الفعلي.
هذا الفريق يرى أن الحل ليس مالياً يرتبط برفع أسعار السلع الاستهلاكية وإنما يرتكز على تصنيف السلع الاستهلاكية إلى أنواع ثلاثة: ترفيهية؛ وكمالية؛ وضرورية، والقيام باستبعاد الترفيه تماماً، والحد من الكمالية إلى أدنى قدر ممكن، وتوزيع الضرورية بشكل عادل وفقاً لمخططات مدروسة عن طريق استخدام البطاقة التموينية، مع ترشيد استخدامها ووضع رقابة على إساءة استخدامها الذي يدخل في دوائر الفساد الاجتماعي.
ويعتقد عدد آخر من خبراء مصر الاقتصاديين بأن إصلاح مواطن الخلل في الاقتصاد المصري لا يخرج عن انتهاج ثلاث سياسات اقتصادية قديمة - متجددة هي نظام الاقتصاد الحر أو الاقتصاد المركزي الذي تشرف عليه الدولة وتوجهه، أو نظام الاقتصاد المختلط الجامع بين الاثنين. وأساليب الإصلاح تنوعت لكن المعضلة لم تحل ولا تزال قائمة ولم تفك طلاسمها. 

السياسات الاقتصادية المتبعة حالياً تدعو العامة المصرية إلى «شد الأحزمة على البطون»، أي إلى عدم الإنفاق البذخي أو إلى التقشف، بمعنى إلى التضحية بشتى الطرق عن طريق التوقف عن استهلاك كل ما هو غير ضروري من سلع، خاصة المستورد منها من الخارج ويحتاج إلى العملات الأجنبية لاستيراده.
لكن الواقع يشير إلى أن الإنفاق البذخي ليس منفصلاً عن سياسات الإنفاق العام ككل، فهناك ظاهرة الإنفاق غير الرشيدة المترسخة في البلاد منذ زمن بعيد، وهذه الظاهرة لها نتائج على المسلك الاستهلاكي الشعبي في مجمله وعلى مدى الاستعداد السلوكي النفسي أو السيكولوجي للأفراد لقبول التقشف والتضحية.
من الشائع أن الطبقات الاجتماعية المرفهة هي التي ترسم نمط الاستهلاك المنشود للطبقات الاجتماعية الأدنى منها: الوسطى العليا، والمتوسطة، والدنيا.
ومن هنا، تأتي أهمية الحد أو حتى القضاء المبرم على الإنفاق البذخي كوسيلة وحيدة لتهيئة العامة نفسياً وسلوكياً لانتهاج نمط استهلاكي متقشف من جانب؛ ومن جانب آخر، فإن البشر يمكنهم القبول «بشد الأحزمة» إذا أيقنوا بأن الجميع مشارك فيه، خاصة الطبقات العليا المرفهة. 

* كاتب إماراتي