في الرابع من فبراير الجاري، أسقطت الولاياتُ المتحدة بالونَاً صينياً كان يحلِّق فوق أراضيها لعدة أيام. وكان الرئيس جو بايدن أصدر تعليمات للقوات الأميركية في الأول من الشهر باعتراض البالون، لكنْ عملاً بتوصية القادة العسكريين تقرّر الانتظارُ إلى حين ابتعاد البالون عن اليابسة قبل القيام بتدميره. سقط البالون والأدوات المرافقة له في المحيط الأطلسي قبالةَ سواحل ولاية كارولاينا الجنوبية.

وسيتم انتشال بقاياه من أجل إخضاعها للفحوص الدقيقة اللازمة. لكن لماذا سمحت الصين بحدوث هذا الأمر تحديداً في الوقت الذي كان من المقرر أن يقوم فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة إلى بكين والالتقاء مع الرئيس شي جين بينج من أجل مناقشة سبل تحسين العلاقات؟

وفقاً لسياسيين «جمهوريين» أميركيين، فإن الهدف من وراء توغل البالون كان هو إذلال إدارة بايدن. إذ من شأن ذلك إظهار ازدراء الصين المتزايد لأميركا، التي تعتبرها قوةً عالميةً ضعيفةً ومنقسمةً. وحين وُوجهوا بمسار تحليق البالون، قال الرد الصيني الرسمي إن الأمر يتعلق ببالون مخصص للرصد الجوي انحرف عن مساره.

وعبّرت الصين عن غضبها عندما تم إسقاطه. ولعل التفسير الأكثر دقة هو أن نمط تحليق البالون لم يكن مصمماً لإذلال أميركا، وإنما نتج عن سوء تواصل داخل الأجهزة الصينية. فوفقاً للإعلام الأميركي فإن الحكومة الصينية نفسها توجد تحت ضغط داخلي بسبب الاستياء من سياسة الإغلاق الخاصة بـ«كوفيد-19» والتي تتسبب في شلل تام للمناطق التي تشملها، وما تلاها من ركود اقتصادي.

وكان شي يأمل أن تساعد زيارة بلينكن على إيجاد علاقة أكثر توازناً مع الولايات المتحدة. لكن بلينكن ألغى زيارتَه، دون تحديد أي تاريخ لزيارة أخرى. وهذا مؤسف لأن أي تحسن في العلاقات الأميركية الصينية يصبّ في مصلحة كلا البلدين، خاصةً أن لهما مصلحة متبادلة في رفاهيتهما اقتصادياً.

والواقع أن هناك ضغطاً متزايداً في الولايات المتحدة من أجل تقليص الاعتماد على الصين في الكثير من المنتجات الاستهلاكية، ومن أجل وقف تسرب التكنولوجيا الأميركية إلى الصين نتيجة اتفاقيات تجارية تم التفاوض حولها بشكل غير مناسب في الماضي، علاوة على ما يثار من قضايا التجسس الصناعي. غير أن أي اضطراب خطير في العلاقات الاقتصادية سيمثل كارثة لكلا البلدين.

ووفقاً لمصادر استخباراتية أميركية، فإن البالون كان جزءاً من ترسانة كبيرة من السفن المماثلة التي يستخدمها «جيش التحرير الشعبي». والحادث لا يمكن فصله عن النزاعات المستمرة بين الصين وبعض جيرانها من القوى البحرية الكبرى حول حقوق الوصول إلى الممرات البحرية في بحار جنوب الصين.

فمنذ عدة سنوات، تقول الصين إن معظم هذه المياه تقع تحت السيادة الصينية وإن التوغلات التي تقوم بها الولايات المتحدة وقوى بحرية أخرى تُعد انتهاكاً لمجالها البحري.

لكن معظم البلدان الأخرى تنفي «ادعاءات الصين» بشدة وتؤكد أنه بموجب قانون البحار لا يحق للصين التدخل في حركة الملاحة البحرية الدولية! ويتوقع أن تزداد الصين صلابة في تحديها للوجود الأميركي في المناطق المتنازع عليها. وهذا ينطوي على خطر زيادة احتمالات المواجهة العسكرية التي يمكن أن تتصاعد بسرعة وتتحول إلى أزمة حقيقية لا يرغب فيها أي من الطرفين.

والوضع خطير بشكل خاص بالنظر إلى التصلب المتزايد في موقف الصين تجاه تايوان وتأكيدها المستمر على أنها قد تلجأ في مرحلة ما إلى القوة من أجل إنهاء تمرد جزيرة تايوان وإعادتها إلى الوطن الأم (جمهورية الصين الشعبية). وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه على الكونجرس يوم 7 فبراير الجاري، تحدّث الرئيس بايدن حول السياسة الداخلية بشكل رئيسي، لكنه تطرّق أيضاً إلى التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في تنافسها مع الصين.

وأشار إشارة عابرة إلى دراما البالون، لكنه شدّد على اعتقاده القوي بأن «المراهنة ضد أميركا لم تكن أبداً رهاناً جيداً».

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن