يحرص المسؤولون في الصين والولايات المتحدة على تحديد طبيعة العلاقة بين البلدين بوصفها تنافساً وليس صراعاً. والفرق بين الحالتين في العلاقات الدولية أن التنافس يتضمن درجةً معتبرةً من التعاون. ففي التنافس مزيجٌ من التعاون والصراع. وينطبق هذا بالفعل على العلاقة بين الصين والولايات المتحدة. 
وهذا أحد أهم ما يُميزها، ويتيح لطرفيها تخطي أزمات متتالية. أزمةُ دخول منطاد صيني الأجواءَ الأميركية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. قبلها بستة أشهر نشبت أزمةٌ كانت أكبر بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي العاصفةِ لتايوان.
وفي الأزمتين تحدَّث السلاحُ بالتوازي مع حديث السياسة، لكن تحت سقف منخفض ومحكوم جيداً. في أزمة أغسطس الماضي، قامت الصين بحشد قوات كبيرة وإجراء تدريبات عسكرية على بُعد أميال قليلة من شواطئ تايوان. وشملت تلك التدريبات محاكاةً لعملية هجوم على الجزيرة التي تصر بكين على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، لكنها أعطت أولويةً للسعي إلى ضمها سلمياً، بدون استبعاد الخيار العسكري الذي مازال مؤجلاً. وفي أزمة المنطاد، حشدت وزارةُ الدفاع الأميركية طائرات مقاتلة لمطاردته إلى أن أسقطته طائرة «إف 22» في 4 فبراير الجاري، فوق المحيط الأطلسي. وفي هذه الأزمة حاولت بكين توضيح أن المنطاد دخل الأجواء الأميركية عن طريق الخطأ، وأنه مُخّصص لأغراض البحث العلمي ليس إلا. لم تقتنع واشنطن، وبقيت مصرةً على أنه يهدف إلى التجسس على مواقع حساسة. وفي الأزمة التي سبقتها، سعى البيت الأبيض إلى توضيح أنه لا يستطيع التدخل في خيارات رئيسة مجلس النواب بحكم مبدأ الفصل بين السلطات، وأن زيارتَها تايوان لا تُغيّر سياسةَ واشنطن التي تقبل مبدأ «صين واحدة»، لكن بطريقة سلمية. لم تقتنع بكين، ومضت قدماً في استعراض قوتها وإظهار قدرتها على حسم قضية تايوان إن هي أرادت.
لكن قبل أن يكتمل الشهر الرابع بعد أزمة أغسطس، التقى الرئيسان الصيني والأميركي على هامش قمة مجموعة آسيان في بالي الإندونيسية، وأجريا محدثاتٍ وضعت حداً للتوتر الذي خيَّم على العلاقة بين الدولتين. غير أن التوترَ تجددَ بسبب أزمة المنطاد. وألغى وزير الخارجية الأميركي زيارةً كانت مقررةً إلى بكين خلال الشهر الجاري. ووّجه بايدن، في خطاب حالة الاتحاد الأسبوع الماضي، رسالةً تحمل معنى أن بلاده لن تسمح للصين بتجاوز الخطوط الحمراء. وردَّت الصينُ بأنها ستدافع عن مصالحها. لكن في هذا الرد، كما في الخطاب المردود على ما جاء فيه، ما يفيد معنى الحرص على استمرار التعاون. ولهذا فالمتوقع أن تنقشع سحبُ هذه الأزمة خلال أسابيع قليلة، وأن تُعاد جدولة زيارة بلينكن إلى بكين.
ويُعد الاقتصاد كلمة السر في هذه القدرة على تخطي الأزمات في علاقتهما. فقد تشابك اقتصاداً الدولتين، بفعل تنامي الاعتماد المتبادل بينهما. ولهذا تحرص كلُ منهما على وضع سقف لا تتخطاه الأزمات، لكي يتيسر تخطيها قبل أن تتصاعد وتقود إلى عواقب وخيمة لكل منهما.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية