درج العالم على الاستماع إلى مصطلح «خريطة الطريق»، في وصف القضايا السياسية المعقدة، وانسحب التعبير بنوع خاص على القضية الفلسطينية منذ نحو، ثلاثة عقود.
غير أن دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي عودتنا على الريادة والابتكار، والخوض عميقاً في عمق القضايا المهمة الجوهرية، تلك التي تتماس مع حياة البشر في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، خرجت علينا خلال الأيام القليلة الماضية، بحديث عن خريطة طريق لما هو أهم وأشمل من الخلافات السياسية.
خلال أعمال مؤتمر القمة العالمية للحكومات في دبي، استمع العالم إلى حديث معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، والذي طرح رؤية كوسمولوجية للمناخ، وخريطة طريق إيكولوجية، لاستنقاذ الكرة الأرضية من التغيرات المهلكة للزرع والضرع، وذلك من خلال عمل جماعي: «يشمل جميع الأطراف، وموجه نحو تحقيق النتائج، وبعيداً جداً عن طريقة العمل الاعتيادية».
رؤية الإمارات التي تناولها الدكتور الجابر، تنطلق في جوهرها من المراكمة والبناء على المنجزات الإماراتية في المجالات كافة.
الإمارات تتجلى في أعين العالم، دولةً ذات رسالة خاصة، مهمتها المساهمة والدعوة إلى عالم أكثر إنسانوية، تشع منه ملامح التعاون، وتتضح في ثناياه وحناياه رؤى التعاضد والتراحم، سيما في هذه الأوقات الصعبة، والتي يمر العالم خلالها بالعديد من الخلافات المثيرة للقلق نهاراً، والأرق ليلاً.
سوف ترسم الإمارات، وفي الطريق إلى قمة المناخ العالمي، في نوفمبر المقبل، طريقاً جديداً، وخريطة غير مسبوقة، هي نتاج خبراتها الناجحة في شتى الميادين، تلك التي أبدعت فيها عبر خمسة عقود خلت. ولعله بعيد عن التزيد أو المزايدة، يمكن القول إن نجاحات الإمارات لم تكن على صعيد الحجر فحسب، بل كان البشر وشبكات التواصل، وفن صناعة الحلفاء والأصدقاء ديدنها، الأمر الذي يمكنها وعن حق من التواصل مع الجميع، شرقاً وغرباً، عرباً وعجماً، حكومات ومؤسسات مجتمع مدني، عالم الصناعة وشركات التكنولوجيا، ومن هنا تبدو الإمارات دوماً وكأنها «رواق الأمم المعاصرة». تدرك الإمارات أن الكرة الأرضية في محنة عميقة، وأنه مطلوب وعلى وجه السرعة العمل على تخفيض درجة حرارة الأرض إلى 1.2 درجة مئوية.
البديل الآخر لعدم التوصل إلى هذه النتيجة كارثي، ويعني أن مظاهر الحياة البشرية سوف تضحى مهددة، لكن السؤال الحيوي والجوهري هو كيف؟
عند الدكتور الجابر أنه حتماً ولا بد من خفض الانبعاثات العالمية من غازات الدفيئة بنسبة 43% عام 2030، أي خلال سبع سنوات من الآن.
الهدف نبيل وجميل، من أجل استمرارية الحياة على الكوكب الأزرق، غير أن الأمر ليس سهلاً، خاصة في ظل احتدام حالة التنافس بين الأقطاب القائمة والقادمة، ما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، حيث الصراع الصناعي على أشده، وما بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، هناك حيث الحرب الدائرة، وأزمات الطاقة تعود بالعالم إلى عصر الفحم والكربون الملوث بأبشع صورة للمناخ، أما بقية القارات، فلا يتبقى لها في ظل ضعف الموازنات المالية، مسارب لتخفيف احتقان كرتنا الأرضية. تعشق الإمارات العربية المتحدة التحديات الجسام، وعادة ما تبدع في إيجاد حلول من خارج الصندوق، عبر خريطة طريق إماراتية إيكولوجية، تعد طاقة أمل في زمن انسداد الرجاء البشري.
*كاتب مصري