لم تعد المسألة المطروحة في الأوساط الحزبية الأميركية، خاصة الحزب «الديمقراطي»، أن تهبط شعبية الرئيس بايدن بصورة لافتة وفقاً لآخر نتائج الاستطلاعات، أو تصعد مجدداً، وإنما الأمر بات مرتبطاً بقدرة الرئيس على الترشح في ظل هذا الوضع غير المسبوق داخلياً، والذي يمكن أن يمثل إشكالية حقيقية لاستقرار الحزب «الديمقراطي» ذاته، واستمرار خوضه لمواجهات كبرى مع الحزب «الجمهوري» استعداداً لإجراء الانتخابات التمهيدية، والتي سيدخلها مرشحون كبار من داخل الحزب «الديمقراطي».
وسواء ترشح الرئيس - وهو أمر وارد رغم تقدمه في العمر- أو لم يترشح، فإن حقائق كبرى ستفرض نفسها على الاستقرار في الولايات المتحدة بأكملها، وفي ظل خيارات صعبة سيواجهها الحزب «الديمقراطي»، والذي سيعاني حالة انقسام حقيقي لا يقل عما جرى في الحزب «الجمهوري» إثر واقعة اقتحام الكونجرس، واستمرار ظاهرة ترامب، والتي لا تزال تمثل خطراً على مستقبل النموذج الأميركي بكل عناصره الليبرالية، وهو ما أشار إليه الرئيس بايدن في خطاب «حالة الاتحاد» مؤخراً، واعتبر الديمقراطية الأميركية لا تزال حية وقائمة ومستمرة، ولكن المشكلة في التعامل، وفتح مسارات للتعامل الحقيقي بين الحزبين الكبيرين. وسواء دخل الرئيس جو بايدن أو انسحب من معركة انتخابات الرئاسة تحت ضغوط داخلية، فان ثمة ما يشير إلى أن الرئيس بايدن لا يعاني مأزقاً بمفرده، فالكونجرس أيضاً يواجه تباينات كبرى طالت مؤسسة الرئاسة الأميركية بأكملها، وهو ما قد يؤدي لتداعيات خطيرة على بقية مؤسسات الدولة الأميركية، خاصة أن المحكمة العليا لا تزال تباشر تحقيقاتها في ملف اقتحام الكونجرس في إشارة إلى احتمالات توجيه اتهامات قد تطول مسؤولين سابقين كبار.
ورغم ما يجري، فإن الحزب «الديمقراطي» ما زال داعماً للرئيس بايدن بدليل نجاحه في تمرير قانون البنية الأساسية بقيمة 1.2 تريليون دولار، أو تشريع مكافحة التغير المناخي، وبعض البرامج لمساعدة كبار السن والتأمين الصحي، ورغم استمرار حالة التضخم.
ستكون الإشكالية الكبرى في احتمال فشل السياسات المالية والنقدية المتبعة حالياً، ما قد يدخل الساحة الأميركية في متاهات كبرى، خاصة في مسألة سداد الديون، وخفض الديون الفيدرالية، إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى المتعلقة بالضرائب التراكمية والإعاشة وفتح الاقتصاد، وإيجاد فرص للعمالة في الشرائح المتوسطة.
والرسالة أن الرئيس جو بايدن لن يقابل بترحيب من قبل الجمهور الأميركي القادر على معاقبة الرئيس بصورة حاسمة، وهو ما يتخوف من تداعياته صقور الحزب «الديمقراطي»، والذين يربطون إدارة الأوضاع في المعركة الانتخابية المقبلة بما تم من إنجازات يعلمون جيداً أنها جاءت نتاج جهد مؤسسات الدولة بصرف النظر عن كونها في سياق برنامج الرئيس بايدن وتوجهات الحزب «الديمقراطي»، أو في ظل احتمالات لصعود المنافسين الجدد، ومنهم نائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس. 

على صعيد آخر، فإن حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسو، وبيت بوتيجيج - رغم من كونه غير معروف في الساحة السياسية- إلا أن أداءه قد فاق السياسيين المخضرمين، قبل انسحابه من السباق وتأييده الكامل لبايدن. وقد اختير ليشغل منصب وزير النقل لاحقاً، إضافة إلى بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، والعديد من الناخبين ما زالوا يرون في ساندرز المخضرم في الحياة السياسية، مدخلاً لحركة يسارية صاعدة في الولايات المتحدة.
وهناك أسماء أخرى أقل أهمية، منهم لكساندريا أوكاسيو كورتيز، ورو خانا، وإيمي كلوبوشار، وكوري بوكر، وإلىزابيث وارين وغيرهم، والمعنى أن هناك قائمة تطول للترشح لشغل الموقع الرئاسي من داخل الحزب «الديمقراطي»، والمؤكد أن هذا الحزب في مأزق، لكن الإشكالية الكبرى ستكون في ظل تصميم الرئيس بايدن، على الترشح، وتلك مسألة باتت بالفعل عبئاً حقيقياً على الحزب في الفترة المقبلة.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية