شكّلت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية العالمية.. مثلث اللايقين في النظام العالمي. تواجه بعض الدول الأوروبية أزمةً اقتصادية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وتواجه دول أخرى أزمة غير مسبوقة منذ مائة عام.

تتفاقم الأزمة في العالم النامي الذي كان يواجه تحديات كبيرة قبل مثلث اللايقين، ثم إذا هو يواجه ذلك كله، مصحوبًا بتداعيات أزمة المناخ، والإيقاع السريع لثورة الذكاء الاصطناعي. توجب هذه التحولات الكبرى في عالم اليوم، الإمساك بالعلم وتعزيز المنطق، وإزاحة العلوم الزائفة، والأخبار الكاذبة.. إلى أبعد مسافة ممكنة. لم تمضِ الأمور على هذا النحو.. إذْ استمرت نظريات المؤامرة، وصناعة الأخبار المزيفة، وترويج معلومات عبثيّة لا أساس لها.. في طريقها من دون توقّف. لقد كان انتشار نظريات المؤامرة في الغرب صادمًا للنخب المثقفة، إذْ أبدت استطلاعات رأى عديدة إيمان الملايين بنظريات غير صحيحة.

قبل سنوات لم يكن من الممكن تصديق حجم الاعتقاد لدى ملايين الألمان بنظريات المؤامرة، وإنكار عدد كبير من الناس وجود فيروس كورونا، أو المخاطر الناجمة عن وجوده.. وهكذا فإنّ البلد الذي أنجب كانط وهيجل، وقع ملايين منه في براثن اللامنطق، حتى إن الزعيمة السابقة انجيلا ميركل أعربت عن غضبها من صعود اللاعقل في ألمانيا، وعزمها مكافحة التدهور الفكري الذي قاد إلى اتساع مساحة العلوم الزائفة.

لقد جاء الزلزال في تركيا وسوريا نموذجًا آخر لترويج الرؤى غير العلمية لكارثة جيولوجية. إذْ نشرت مواقع ووسائل اتصال عديدة ما يؤكد أن الزلزال قد وقع بسبب تفجير الولايات المتحدة قنبلة نووية من قاعدة انجرليك. بينما نشرت مواقع أخرى أن الولايات المتحدة وأوروبا قد طلبت إجلاء رعاياها قبل الزلزال بيوم، بينما كانت الولايات المتحدة واليونان تجري تدريبات على عمليات الإجلاء للسكان في تركيا بسبب الزلزال.

ثم راحت مواقع أخرى تتحدث عن مشروع الشفق القطبي (هارب) الذي تقوم عليه جامعة آلاسكا بالتعاون مع الحكومة الأميركية.. واعتبار أن هذا المشروع هو الذي أحدث الزلزال. ثم تتمدد النظريات غير العلمية في شرح الماكينات العملاقة التي قامت بإحداث فيضان باكستان، والماكينات الأكبر التي أحدثت زلزال تركيا، والآلات الثالثة التي تقوم بسرقة السحاب.

لقد اعتقد بعضهم أن نهاية كورونا ستكون نهاية نظريات المؤامرة، ووقفًا لسيل العلوم الزائفة، لكن نظريات الزلزال أضعفت الأمل في إمكانية الانتصار السريع على العلوم الزائفة. ما يفاقم من الأزمة هو عدم قيام الشركات العملاقة المالكة لوسائل التواصل ومحركات البحث، بمسؤوليتها في مجابهة الأخبار المفبركة والمعلومات الخاطئة.. بما يوقف صعود منحنى الجهل، وعلى الرغم من التصريحات المتعددة في خوض الحرب على الذباب الإلكتروني والتعليقات الآلية، فإن الواقع لا يدل على ذلك.

إن اتساع مساحة المؤمنين باللاعلم، والمروجين للامنطق، وأولئك الذين يعيدون نشر ذلك الهراء على وسائل التواصل.. يوجب علينا اليقظة.. ذلك أن العلوم الزائفة لا تتوقف عند إهانة العلم، بل تمتد إلى تعطيل العقل، وإرباك عملية التنمية، وتهديد فلسفة الحياة.

* كاتب مصري