ما فتئت علاقة الهند بالولايات المتحدة واليابان وأستراليا تكتسب زخماً متنامياً. وليست علاقاتها الثنائية مع هذه الدول هي فقط التي تزداد عمقاً ومتانة، ولكن كذلك الحال بالنسبة للتعاون معها متعدد الأطراف. البلدان الأربعة هي أعضاء «الحوار الأمني رباعي الأطراف»، وهو عبارة عن منتدى للحوار الأمني الاستراتيجي بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة. وتؤكد الهند مع آخرين أن هذه المجموعة لا تستهدف أي بلد معين، لكن من الواضح أن الصين تنظر إلى هذا التجمع بارتياب كبير. وفي هذا السياق، واصلت البلدان الأربعة الالتقاءَ في إطار المبادرة الرباعية حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعميق تعاونها وسط توافق الآراء حول مواضيع عدة. 
وفي أحدث اجتماع، التقى وزراء خارجية «الرباعي» على هامش قمة مجموعة العشرين. وتطرّق بيانٌ صدر عقب الاجتماع للخلافات البحرية الحالية في بحري الصين الجنوبي والشرقي إضافةً إلى أوكرانيا، داعياً إلى التمسك بالقوانين الدولية. وأكد وزراء الخارجية على «التزامهم القوي بدعم منطقة هند -محيط هادئ حرة ومفتوحة تكون مندمجة ومرنة». وفي ما يتعلق بأوكرانيا، اتفقت البلدانُ الأربعةُ أيضاً على أن «استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها غير مقبول». وأبرز الاجتماعُ الاصطفافَ المتزايدَ بين البلدان الأربعة. 
وبعد أيام قليلة على اجتماع وزراء خارجية «الرباعي»، قام رئيس الوزراء الأسترالي أنثوني ألبنيز بزيارة إلى الهند هدفها تعميق العلاقات في مجالي الاقتصاد والدفاع. وفي مؤشر على الأهمية الممنوحة لأستراليا، بسطت الهندُ السجادَ الأحمرَ لألبنيز في زيارته التي دامت أربعة أيام، والتي زار خلالها ثلاثة مدن هي أحمد آباد في ولاية غوجرات، ثم مومباي في ولاية ماهاراشترا، فالعاصمة نيودلهي. كما صعد رئيسُ الوزراء الأسترالي على متن حاملة الطائرات الهندية المصنوعة محليا «فيكرانت» في مومباي. وناقش قائدَا البلدين مجموعةً من المواضيع مثل الأمن والتجارة والبيئة الأمنية العالمية التي ينظر إليها على أنها أضحتْ غير مؤكدة بسبب حرب أوكرانيا المتواصلة. 
واتفق البلدان على إكمال «اتفاقية التعاون الاقتصادي الشاملة» هذا العام، والتي من المرتقب أن تعطي العلاقاتِ الاقتصاديةَ الثنائيةَ دفعةً قويةً. وستُتيح اتفاقيةُ التعاون الشامل هذه وصولاً أكبر إلى السوق من اتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي السابقة التي وُقِّعت العام الماضي من أجل تعزيز العلاقات التجارية من خلال إعفاء 96 في المئة من الصادرات الهندية إلى أستراليا و85 في المئة من الصادرات الأسترالية إلى الهند من الرسوم الجمركية. والجدير بالذكر هنا أن المحادثات حول الاتفاقية الشاملة كانت قد أرجئت في الماضي بسبب الحساسيات الهندية بشأن فتح مجالات مثل الزراعة وبسبب التردد الأسترالي في إتاحة وصول أسهل للمهنيين الهنود. 

العلاقة بين الهند وأستراليا أصبحت أوضح الآن، وقد قطعت شوطاً طويلاً منذ الوقت الذي اعترضت فيه أستراليا على تجارب الهند النووية في عام 1998. لكن الآن، وعلاوة على الالتزام الاقتصادي المتزايد، هناك أيضاً تعاون أكبر في مجال الأمن والدفاع. كما ستستضيف أستراليا لأول مرة مناورات مالابار البحرية السنوية بمشاركة أعضاء «الرباعي» الآخرين. وكانت اليابان قد استضافت النسخةَ الأخيرةَ لتمرينات مالابار في نوفمبر 2022. وانطلقت هذه المناورات أول مرة قبل أكثر من ثلاثة عقود مضت كتمرين ثنائي بين الولايات المتحدة والهند. ثم دُعيت أستراليا للمشاركة فيها عام 2020، في حين دُعيت اليابان في عام 2015.
واللافت أن زيارة رئيس الوزراء الأسترالي ستكون مَتبوعةً بزيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الأسبوع المقبل، ثم بقمة «الرباعي» التي من المقرر عقدها في أستراليا في مايو هذا العام. ولهذا، من المتوقع أن تتواصل سلسلة من الزيارات لقادة بلدان «الرباعي» بحر هذه السنة. كما سيسافر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى هيروشيما، حيث ستحل الهندُ ضيفاً خاصاً على قمة مجموعة السبع التي ستعقد هناك بعد شهرين. وبالإضافة إلى ذلك، قد يسافر مودي إلى الولايات المتحدة في النصف الثاني من هذا العام. لكن قبل ذلك، من المتوقع أن يجري رئيسا الوزراء محادثات لبحث طرق توسيع العلاقة الثنائية وتعميقها من الأمن إلى التجارة والاستثمار. كما سيناقش الزعيمان الأولويات بالنسبة لرئاسة الهند لمجموعة العشرين ورئاسة اليابان لمجموعة السبع. 
البلْدانُ الأعضاءُ في «الرباعي» تستكشف مجالات جديدة للتعاون الثنائي أيضاً، حيث ناقشت الهندُ وأستراليا توفيرَ إمدادات المعادن المهمة وكيفية إنشاء إمدادات توريد قوية. وإذا كانت الهندُ والولايات المتحدة قد وقَّعتا مذكرةَ تفاهم حول أشباه الموصلات الأسبوع الماضي، فإن المذكرة بشأن سلسلة توريد أشباه الموصلات و«شراكة الابتكار» ستساعد الهند على التنسيق بشأن صناعة الرقائق الإلكترونية مع الولايات المتحدة. وهي تهدف إلى تعزيز التعاون في قطاع أشباه الموصلات لتسهيل الفرص التجارية وتطوير أنظمة الابتكار، ومن المحتمل أن تساعد الهندَ كثيراً. 
ومما لا شك فيه أن التعاون بين بلدان «الرباعي» سيساعد على تعميق الروابط بشكل ثنائي ومتعدد الأطراف. وإذا كان هناك تجمع قد أصبح واضحاً جداً بالنسبة للهند، فهو «الرباعي»، لا سيما وسط بيئة أمنية عالمية باتت غير مؤكدة. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي