ما يحتاجه العالَمُ العربي هو حركةُ إصلاح في الوعي تبدأ من المواطن العربي نفسه، والإصلاح في الوعي يتطلب لحظةَ مواجهة حقيقية مع الذات وقبولا للآخر ومراجعةً للموروث الثقافي وإعادة قراءة مسلحة بالفهم لكثير من جوانب التاريخ باعتبارها تراثاً بشرياً قابلاً للفحص والتمحيص. ولنعترف في هذا المضمار بأن الإصلاح الديني في العالَم العربي ينبغي أن يبدأ بالفرد نفسه، وتحديداً الفرد الذي ينتمي للأغلبية السائدة، هذه الأغلبية التي تحضر صلاة الجمعة كل أسبوع، وتنشد رضا ربها وهي متجهة إليه بكل صدق وخشوع. لكن هل فكّر هذا الفرد، وهو يؤدي الطاعات والعبادات، في تشغيل وعيه النقدي والإنساني والديني حين يبدأ الخطيبُ بالدعاء على باقي البشرية؟ هل يمكنه التوقف عن التأمين والخطيبُ يدعو على باقي البشر بالهلاك؟ وهل يدرك أن «آمين» هي قبولٌ مطلقٌ بالفكرة التي يطلقها الخطيب من على المنبر؟ إنها مسؤولية وجدانية كاملة الأهلية، ينبغي أن لا تفوت على المسلم الحقيقي. وهل يمكن لهذا الفرد أن ينتصر لعقله وإنسانيته، ولجوهر دينه الحق، فيعترض على أدعية الخطيب وخطابه الإقصائي؟
تلك انتفاضة ذاتية قوية تعيد المرءَ كما ولدته أمُّه.. نقياً وإنساناً، ويكون الإيمان لديه صحياً وصحيحاً، أي مبنياً على العقل والوجدان معاً. يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور إنه في التاريخ فقط تتمكن الأممُ من وعي ذاتها وعياً تاماً، وهي مقولة منطقية وصحيحة لو توفر شرط القراءة الواعية المتحررة من القيود والأحكام المسبقة، القراءة الحرة التي يتحكم فيها العقل وحده دون الإرادة الذاتية المسكوبة سكباً في الوجدان. ولو قرأنا التاريخَ من جديد، لا كما رواه المنتصرون وحسب، بل كما ترويه جميع الأطراف بلا استثناء، لتمكنا من التقاط خيوط الوعي الأول بذواتنا.
في التاريخ مثلاً لو نقرأ بعض الأحداث جيداً نجد أن عبد الرحمن بن ملجم، وهو قاتل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، طعنه وهو يصرخ: إن الحكم لله.. إن الحكم لله! بمعنى أن التعصب العقَدي موجودٌ منذ العصور الأولى في تاريخنا الإسلامي، والمتعصبون للموت والدم، حالة مبكرة ومتكررة بصور متعددة.
والسؤال هو: لو كان لابن ملجم قناة فضائية تروّج له كبطل، ألم يكن ذلك كافياً لكي ينتهي معهم وبهم الأمرُ إلى تكفير الجميع بلا استثناء؟
هؤلاء «الحشاشون» لعنةٌ تاريخيةٌ لم تنقطع منذ مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما أعقب ذلك من محن وأزمات، وصولاً إلى سنوات الإرهاب والدم مع «القاعدة» ثم «داعش». 
إن قراءتنا للتسامح الديني يجب أن يرافقها التأكيدُ على التسامح الإنساني أيضاً. ويجب في تسامحنا كبشر أن نتخلى عن ذهنية التفوق والتي تقود دائماً إلى التعصب الأعمى. 

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا