ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المحتجز للحرارة في العالم إلى مستويات قياسية العام الماضي، وفقاً لتقرير جديد صادر عن وكالة الطاقة الدولية، لكن مصادر الطاقة المتجددة واصلت نموها الهائل - ويعتقد بعض المحللين أن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري قد بلغ ذروته.
هذا يبدو وكأنه أخبار متناقضة بالنسبة لمناخ العالم، بحسب ما قال «كينجسميل بوند، استراتيجي الطاقة في منظمة لأبحاث الطاقة والمناخ (RMI).
يعد هذا العقد نقطة تحول نحو زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، على الرغم من أن استخدام الوقود الأحفوري لم يبدأ بعد في الانخفاض. إنها لحظة يروج فيها الجميع، من الشركات إلى السياسيين، إلى المؤسسات المالية للتحرك نحو اقتصادات خالية من الكربون، حتى مع موافقة الحكومات في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك الإدارة الأميركية الديمقراطية - على تطوير الوقود الأحفوري الجديد.
يرسم التقرير، وهو أحدث جهد سنوي للوكالة الدولية لمعالجة بيانات غازات الاحتباس الحراري المتعلقة بالطاقة من عدة بلدان، هذه الصورة المعقدة: هناك نقاط رئيسية تدعو للأمل والتفاؤل، ولكن أيضاً مع حقيقة أن العالم يواصل إرسال غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي بمستويات غير مسبوقة.
يقول بوند:«إن سبب كونها أخباراً مروعة هو أنه لا يزال لدينا مستويات عالية جداً من الانبعاثات. ومع ذلك، فإن السبب في أنها أخبار جيدة هو أن الانبعاثات بلغت ذروتها».
هذا مهم لأنه لعقود من الزمن، أشارت أبحاث المناخ إلى نتيجة واضحة: إرسال المزيد من غازات الدفيئة في الهواء يعني أن درجة حرارة العالم سترتفع. يقول العلماء إن الاحتباس الحراري الناجم عن الانبعاثات البشرية بدأ بالفعل سلسلة من التحديات البيئية والبشرية، من الطقس المتطرف إلى ارتفاع مستوى سطح البحر إلى فشل المحاصيل. ويتوقعون أن يزداد الأمر سوءاً مع كل جزء من الدرجة التي تسخن فيها الأرض.
وجد محللو وكالة الطاقة الدولية أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المتعلقة بالطاقة - أكبر مصدر لغازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان في الغلاف الجوي - ارتفعت بنسبة تقل عن 1% في عام 2022. وهذا أقل بكثير مما توقعه العديد من الباحثين، خاصة بالنظر إلى الطاقة العالمية والأزمة والصراع في أوكرانيا، والتي اعتقد الكثيرون أنها ستؤدي إلى ارتفاع حاد في الانبعاثات.
في أوروبا، على سبيل المثال، وجد محللو الوكالة أنه بدلاً من زيادتها، انخفضت الانبعاثات بنسبة 2.5%. هذا على الرغم من قيام ألمانيا بإحياء أو إطالة عمر ما لا يقل عن 20 محطة طاقة تعمل بالفحم، وعلى الرغم من التشغيل المؤقت لعدد من محطات الطاقة النووية، التي توفر طاقة منخفضة الانبعاثات.
ساعدت الجهود القوية للحفاظ على الطاقة في أوروبا، مثل خفض منظم الحرارة والتحول إلى مضخات الحرارة، في حدوث هذا الانخفاض، بمساعدة شتاء معتدل. كما ساعد التحول السريع المتزايد في المنطقة نحو مصادر الطاقة المتجددة في منع حدوث ارتفاع مفاجئ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
في الواقع، يقول محللو الطاقة إنه من دون الارتفاع العالمي السريع لمصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن صورة الانبعاثات ستكون أسوأ بكثير.
«لم تؤد تأثيرات أزمة الطاقة إلى زيادة كبيرة في الانبعاثات العالمية التي كان يُخشى منها في البداية - وهذا بفضل النمو المتميز لمصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والمضخات الحرارية والتقنيات الموفرة للطاقة»، بحسب ما قال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، في بيان صحفي، إنه من دون الطاقة النظيفة، كان النمو في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أعلى بثلاث مرات تقريباً.
لكن الفحم، المعروف باسم مصدر الطاقة الأعلى انبعاثات، لا يزال آخذاً في الارتفاع - لا سيما في البلدان النامية. وقال التقرير إن الانبعاثات الصادرة من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في آسيا (باستثناء الصين) ارتفعت أكثر بكثير من تلك الموجودة في المناطق الأخرى، بنسبة حوالي 4.2%. أكثر من نصف تلك الناجمة عن توليد الطاقة بالفحم. لا يبدو الأمر كما لو أن مصادر الوقود الأحفوري الأخرى ستختفي.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، زادت الانبعاثات بشكل طفيف بنسبة 0.8%، لكن الدولة زادت أيضاً من استخدامها للغاز الطبيعي بنحو 89 ميجا طن.
وخلص التقرير إلى أنه كان هناك زيادة في انبعاثات النفط في جميع أنحاء العالم العام الماضي، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى انتعاش صناعة الطيران. بالنسبة للباحثين مثل راشيل كليتس، مديرة السياسات في برنامج المناخ والطاقة في اتحاد العلماء المهتمين، فإن استمرار انبعاثات الوقود الأحفوري دليل على الحاجة إلى مزيد من التغيير الشامل والمنهجي. وقالت:«نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 6% إلى 7% سنوياً الآن».
وتقول إنها، على مدى سنوات، كانت هي وآخرون منخرطون في أبحاث المناخ يتطلعون إلى مصادر الطاقة المتجددة كإجابة لأزمة الاحتباس الحراري. أخيراً، هذه التكنولوجيا ليست موجودة فقط، ولكنها تثبت أيضاً أنها قادرة على المنافسة اقتصاديا مع الوقود الأحفوري. تستعد سياسات، مثل قانون خفض التضخم الأميركي، لمنح مصادر الطاقة المتجددة مزيدا من التعزيز - وهو أمر يرى المحللون الماليون مثل السيد بوند أنه مؤشر على أن مصادر الطاقة المتجددة ستصبح قريباً مصادر الطاقة المهيمنة في العالم.
لكن هذا التقرير، كما تقول كليتس، يظهر أن التغير التكنولوجي لا يكفي لإصلاح أزمة المناخ، إذ يتعلق الأمر أيضاً بالعقليات والتأثير والأولويات المجتمعية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»