داهمت جائحةُ فيروس كورونا العالَم واجتاحت دولَه في عام 2019، وأصابت البشريةَ جراءها حالةٌ من الخوف والقلق، فقتلت مَن قتلت وسلم منها مَن سلم، بعد أن عطّلت الحياةَ وشلت عجلة الاقتصاد، إذ كان شعار حملات التوعية والإرشادات الوقائية بغية منع انتشار المرض، هو ارتداء الكمامة والبقاء في البيت قدر الإمكان.

وما يزال العالَم يعاني من تبعات الجائحة وتأثيراتها، حيث استمر هذا الفيروس المعدي عبر نسخ ومتحورات مختلفة، مما أجبر الأفرادَ والمجتمعاتِ على تغيير أنماط سلوكهم الحياتية المعتادة، وإن بدأت الدول والمجتمعات تتأقلم وتتعافى شيئاً فشيئاً، إلا أن العالَم ما زال يدفع فاتورةً باهظةً بسبب الآثار السلبية، الصحية والاقتصادية، للفيروس.

وبعد أن تنفس العالَمُ الصعداءَ وحاول التخلصَ من الكمامة ونسيَّ شعار «خليك بالبيت»، فرحاً بعودة الحياة لسابق عهدها، فوجئ بالحرب الأوكرانية التي أربكت سلاسل الإمداد، ثم بكارثة الزلازل المدمر وهزاته الارتدادية، والذي راح ضحيته أكثر من 50 ألف شخص في جنوب تركيا وشمال سوريا.. فهبَّت دولُنا مشكورةً، وعلى رأسها دولةُ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية، لتقديم المساعدة والدعم والإسناد، فأرسلت فِرقَ الإسعاف والإنقاذ لانتشال العالقين ولمعالجة المصابين، كما أرسلت الأدويةَ والأغذيةَ والخِيَّمَ والأغطيةَ، لإيواء المشردين وتخفيف معاناتهم جراء هذه الكارثة الإنسانية المروعة، فضلاً عن تقديم الدعم المالي السخي للحكومتين التركية والسورية.

لقد أصبح عالَمُ اليوم متداخلاً ومتشابكاً، وهو جميعاً يتأثر بما يحدث من أزمات وكوارث واضطرابات في أي جزء منه، والدولُ ذات الشعور العالي بالمسؤولية هي تلك التي تبادر بتقديم الدعم الإنساني اللازم في مثل هذه الظروف، كما فعلت وتفعل دائماً دولُ مجلس التعاون الخليجي.

ولعل السؤال الذي يراود الجميعَ في أنحاء العالم، في ظل هذه الأزمات والكوارث المتتالية، هو: متى يشعر الإنسانُ بالاستقرار والاطمئنان في ظل النظام العالمي والأوضاع الدولية المتغيرة بسرعة هائلة؟

ما كاد العالَمُ يغلق ملفَّ جائحة كورونا، حتى داهمته الحرب الروسية الأوكرانية، وفي حين ما تزال هذه الحرب مستمرة، ضرب الزلزالُ التركي السوري ضربتَه. وفي وقت ما تزال الجراح تَنزف جراء الزلزال، والعالَم مأخوذٌ بأزمات التغير المناخي (من جفاف وفيضان وحرائق وتلوث بيئي)، علاوةً على شبح الركود الذي يهدد أكبر الاقتصادات في العالَم، مع تزايد مؤشرات التضخم والبطالة وتراجع النمو.. جاءت الأحداثُ الحالية في فرنسا على خلفية قانون جديد لإصلاح نظام التقاعد.. فهل ضاقت الأرضُ بسكانها إلى هذا الحد الذي جعلهم يشعرون بالضيق والضنك والعسر؟

اللافتُ في هذه الملفات المتداخلة أن الدولَ الكبرى أصبحت عاجزةً عن اجتراح حلول للأزمات واحتوائها ومعالجتها، رغم إمكاناتها الهائلة وكونها الأقوى والأقدر على حل مشكلات العالَم! فهل السبب أنها أصبحت تنشغل بالحروب وبافتعال الأزمات لتسويق صناعاتها الدوائية والعسكرية، متجاهلةً مستقبلَ الإنسان ومصيرَه، الإنسان الذي أصبح يعيش في دوامة من الحيرة والذهول بسبب الأزمات المتتالية وتداعياتها؟

حتى باريس، مدينة العطور والزهور، لم تسلم من الأذى والتخريب وإشعال النيران وتحطيم المنشآت، فأصبحت شوارعُها تغلقها القمامة والنفايات، مما جعل الجميعَ -موالين ومعارضين- يطالبون بهدنة لتنظيف الشوارع وإزالة النفايات والحواجز وتفريغ حاويات القمامة والنفايات.

هل أصبح الإنسان في عالَم اليوم مُحاصَراً بالأزمات والكوارث؟ وأين الدول والمنظمات التي طالما رفعت شعاراتِ حقوق الإنسان وحصانته والدفاع عن حريته؟ هل أصبحت تعتبر الإنسان عبئاً أو شيئاً زائداً عن الحاجة أو منتهي الصلاحية؟!

*كاتب سعودي