يعاني الجيش الإسرائيلي في هذا التوقيت من حالة كبيرة من التردي والانقسام الكبير جراء استمرار المشهد الراهن على حاله، وتأجيل المواجهة بين رئيس الوزراء نتنياهو ومكونات الائتلاف اليمني الحاكم من جانب، وبين الجمهور الإسرائيلي الذي ما زال يقوم بحالة من الحراك الشعبي، والدوري رافضاً كل ما أعلنته الحكومة الراهنة من تعهدات حيث يواجه الجيش الإسرائيلي، ولأول مرة في تاريخه منذ إنشاء الدولة العبرية أزمة حقيقية على مستوى القيادات العليا والوسطى، وهو ما سينعكس بالفعل على مهام، وأولويات الجيش في الفترة الراهنة والمنتظرة، والمتعلقة باحتمالات تجدد المواجهة مع قطاع غزة والتي بدأت خلال الساعات الأخيرة، أو استمرار وقوع عمليات في الضفة الغربية، إضافة للمخاطر المتعلقة بالمواجهة مع إيران، وقدرة الجيش الإسرائيلي على التعامل، ومواجهة ما يجري الأمر الذي قد يؤثر على استعدادات الجيش القتالية، والقيام بالتدريبات والمناورات الدورية المقررة وفق خطة الجيش السنوية.

تزامن ذلك مع استمرار حالة الانقسام الكبيرة في كافة قطاعات الجيش الإسرائيلي، وإبلاغ نحو 200 طيار من تشكيلات القوات الجوية قائد القوات بتجميد خدمة الاحتياط النشطة بهم، وهؤلاء يقودون عمليات مهمة في مسارح عمليات لها أولوية وفق خطة تطوير الجيش الإسرائيلي، وإبلاغ نحو 100 من ضباط الاحتياط في القوات الجوية قيادتهم بتجميد التطوع في خدمة الاحتياطي الروتينية، وإعلان عدد كبير من قوات العمليات الخاصة المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي أنهم يعتزمون إلغاء عقودهم الدائمة في حالة إقرار التعديلات القضائية، وأعلن جنود الاحتياط من الوحدة الشهيرة (نخبة) 8200 برفض التطوع والاستمرار في المهام، والإعلان عن خفض عدد جنود الاحتياط الذين يحضرون للخدمة دورياً في شهر مارس الأمر الذي سيؤثر على خطة العمل للجيش دورياً، ووجود حالة من الرفض المعلن لبعض القادة العسكريين، ومنهم رئيس الأركان هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار، وقيادات عليا في الاستخبارات العسكرية «أمان»، بل وداخل مجمع الاستخبارات العام للسياسات الراهنة لمكونات الائتلاف.

المعنى أن حالة عدم الاستقرار تعم الجيش الإسرائيلي بدليل تعثر خطة إصلاحه، التي تجري في التوقيت الراهن، والمفترض أن تنتهي في نوفمبر 2024 في ظل حدوث حالة من التجاذب داخل الحكومة، واتهام قيادات الجيش بالسعي لتصدير أزمة موازية لأزمة التعديلات القضائية بهدف تأكيد حضورهم السياسي في المشهد، واتهام قيادات الجيش بالبحث عن دور قيادي في إدارة الدولة على المستوى المدني برغم ما تواجهه إسرائيل من تحديات، ومخاطر حقيقية تتطلب التركيز في العمل العسكري، واستمرار سحب الصلاحيات الأمنية من وزير الدفاع إلي وزير الأمن القومي في إطار تنفيذ اتفاق الشراكة لمكونات الائتلاف الحاكم، وهو ما سيؤثر على بعض المهام المحددة للجيش وفق خطة الإعداد الدورية.

تزامن ذلك مع استمرار ضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لاستهداف القيادات العسكرية الرافضة لنهجه في التعامل ليس فقط بشأن التعديلات القضائية، وإنما في سائر الملفات الأخرى، ويُشار إلى أن نتنياهو كان دائم الصراع مع كل وزير دفاع عمل معه نظراً للصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها وزير الدفاع ورئيس الأركان في الساحة الإسرائيلية.

وبوجه عام تحفظت المؤسسة العسكرية على استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والدخول في انتخابات متتالية أدت إلى تبعات عدة داخلياً، ومست التحالفات الإسرائيلية في نطاقها الإقليمي، بل ومع أقرب الحلفاء لإسرائيل متمثلة في الولايات المتحدة، وكذلك من تخوف قيادات الجيش الإسرائيلي من احتمال إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على التوجيه بشن عملية عسكرية محدودة على إيران، أو الدخول في مواجهة جديدة مع قطاع غزة بهدف توحيد الصف، وهو ما يضع قادة الجيش في حساباتهم الاستراتيجية، واستمرار وجود انقسام في التعامل مع إيران عسكرياً.

في المجمل لن يتوقف رئيس الوزراء نتنياهو عن سعيه إلى تنفيذ خطة إصلاح القضاء، وذلك على الرغم مما يجري من استمرار الاحتجاجات، وهو ما يضعه الجيش الإسرائيلي في تقديره، ويتأهب للتعامل مع تبعاته خاصة مع مخططه بتشكيل الحرس القومي، وتداخل المهام والصلاحيات بين الجيش والشرطة، وأجهزة المعلومات المختلفة، والتي لن تقبل باستمرار هذا الوضع طويلاً.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.